الرباط – في خطوة تاريخية تعكس التعاون المستمر بين دول الضفة الغربية للبحر المتوسط، أعلن رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم رافايل لوسان الجمعة عن تقديم ترشيح مشترك مع المغرب والبرتغال لاستضافة كأس العالم للسيدات عام 2035.

ويمثل هذا الإعلان استمرارية للتعاون بين الدول الثلاث التي ستستضيف بالفعل مونديال 2030 الرجالي، كما يعكس الطموح المتزايد للمغرب في مجال كرة القدم النسائية، والتزامه بتطوير البنية التحتية الرياضية، وإستراتيجيته الشاملة للارتقاء بهذه الرياضة على جميع المستويات.

أعلن رئيس الاتحاد الإسباني رافايل لوسان عن نية الدول الثلاث تقديم ترشيح مشترك لاستضافة مونديال السيدات 2035، وصرح قائلاً: “نريد أن تستضيف إسبانيا كأس العالم للسيدات عام 2035، بالاشتراك مع البرتغال والمغرب”.

وأضاف لوسان أنه “لا توجد طريقة أفضل لرفع مكانة الرياضة النسوية، من المشاركة في تنظيم الحدث الرياضي الأهم في العالم، كأس العالم لكرة القدم”.

يأتي هذا الإعلان بعد شهر من قرار مجلس الفيفا في 5 مارس 2025 بمنح الدول الإفريقية ودول أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي فرصة تقديم الترشح لاستضافة نهائيات كأس العالم للسيدات لدورتي 2031 و2035.

ومن المتوقع أن يتم اتخاذ القرار بشأن الدولة المضيفة لكأس العالم للسيدات 2031 و2035 في مؤتمر الفيفا السادس والسبعين في الربع الثاني من عام 2026.

جدير بالذكر أن المغرب كان قد أبدى اهتمامه بالتقدم بطلب استضافة كأس العالم للسيدات 2031 في أكتوبر/تشرين الاول 2023، بعد اختيار المغرب لاستضافة كأس العالم 2030 والأداء المتميز لفريق السيدات في كأس العالم للسيدات 2023.

وتتماشى هذه الخطوة مع التوجه العالمي المتزايد نحو الاستضافات المشتركة للبطولات الكبرى، حيث ستستضيف الولايات المتحدة وكندا والمكسيك مونديال 2026، قبل أن تنظم المغرب وإسبانيا والبرتغال نسخة 2030. وتعتبر الاستضافات المشتركة حلاً عملياً في ظل زيادة عدد المنتخبات المشاركة، مما يتطلب بنية تحتية أكبر وأكثر تنوعاً.

وحقق المنتخب المغربي النسوي (لبؤات الأطلس) إنجازات تاريخية خلال السنوات الأخيرة، جعلته في مقدمة المنتخبات العربية والإفريقية.

تمكن المنتخب المغربي النسوي من كتابة التاريخ في كأس العالم للسيدات 2023 في أستراليا ونيوزيلندا، عندما أصبح أول منتخب عربي وثاني منتخب إفريقي بعد نيجيريا يفوز في إحدى مباريات كأس العالم، بفوزه على كوريا الجنوبية بنتيجة 1–01. وتأهل المنتخب إلى دور الـ16 في أول مشاركة له بعد فوزه على كوريا الجنوبية وكولومبيا.

ولعل أبرز ما ميز مشاركة المغرب في هذا المونديال هو تسجيل أول هدف مونديالي في تاريخ مشاركة المنتخبات العربية في نهائيات كأس العالم للسيدات، عبر اللاعبة ابتسام الجريدي. كما دخلت اللاعبة نهيلة بنزينة التاريخ كأول لاعبة محترفة محجبة في كأس العالم للسيدات لكرة القدم.

ودولياً، وصل منتخب المغرب النسوي إلى نهائي كأس أمم أفريقيا للسيدات 2022، ليصبح أول منتخب عربي يصل إلى نهائي البطولة القارية. كما فاز بدورة اتحاد شمال أفريقيا للسيدات عام 2020 وبطولة مالطا الدولية للسيدات عام 20221.

وحصلت لاعبات مغربيات على جوائز فردية مرموقة، منها فوز غزلان الشباك بجائزة أفضل لاعبة في كأس أفريقيا للسيدات 2022، وفاطمة الزهراء تكناوت بجائزة أفضل لاعبة في إفريقيا 2023، بالإضافة إلى فوز نسرين الشاد بجائزة أفضل لاعبة إفريقية شابة 20231.

استراتيجية طموحة ورؤية متكاملة

لا يمكن فهم الترشح المغربي المشترك لاستضافة مونديال 2035 بمعزل عن الاستراتيجية الشاملة التي يتبناها المغرب لتطوير كرة القدم على جميع المستويات.

يستثمر المغرب بشكل كبير في البنية التحتية لكرة القدم، خاصة في إطار التحضير لاستضافة كأس العالم 2030، بميزانية إجمالية تقدر بـ 50-60 مليار درهم (حوالي 5 مليار دولار)ة. تتوزع هذه الاستثمارات على بناء وتحديث الملاعب (17 مليار درهم)، وتطوير مراكز التدريب (8 مليار درهم)، وتحسين البنية التحتية للنقل (17 مليار درهم)، بالإضافة إلى التكاليف التنظيمية (10 مليار درهم)7.

ومن أبرز المشاريع في هذا الإطار، ملعب الحسن الثاني الكبير بالدار البيضاء الذي سيشيد على مساحة 100 هكتار في منطقة المنصورية بإقليم بنسليمان، بسعة 115 ألف متفرج، ليكون عند اكتماله أكبر الملاعب في العالم. يتميز الملعب بطاقة استيعابية تصل إلى 115,000 متفرج، مما يجعله الأكبر عالميًا عند اكتماله. تصميمه مستوحى من التجمعات الاجتماعية التقليدية المغربية، حيث يشبه هيكله خيمة كبيرة تعكس التراث الثقافي المغربي.

كما تعد أكاديمية محمد السادس لكرة القدم إحدى الركائز الأساسية في استراتيجية المغرب لتطوير المواهب الكروية. توفر الأكاديمية برامج تدريبية متكاملة تجمع بين التدريب الرياضي والتعليم الأكاديمي، بهدف إنتاج لاعبين محترفين قادرين على المنافسة على المستويات الوطنية والدولية

نجحت الأكاديمية في تخريج لاعبين بارزين مثل نايف أكرد ويوسف النصيري وعز الدين أوناحي، وهو ما يعكس نجاح المقاربة المغربية في تكوين المواهب وإعدادها للمستويات العالية.

تعزيز مكانة كرة القدم النسائية المغربية

تساهم هذه الخطوة في تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزته كرة القدم النسائية المغربية، وتوفير حافز إضافي لمواصلة تطويرها. ويأتي هذا الترشيح في سياق اهتمام المغرب بكرة القدم النسائية، حيث استضاف كأس الأمم الأفريقية للسيدات 2022 وسيستضيف نسخة 2024.

يمكن للملاعب الستة التي سيتم تجهيزها لمونديال 2030 أن تكون جاهزة لاستضافة مباريات مونديال السيدات 2035، مما يوفر استدامة للاستثمارات في البنية التحتية الرياضية ويضمن استخدامها المستمر.

يساهم تطوير كرة القدم النسائية والاهتمام بها في إحداث تغييرات إيجابية على المستوى الاجتماعي، من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين، وتغيير الصور النمطية، وإلهام الفتيات المغربيات لمتابعة شغفهن بالرياضة.

ويعكس الترشيح المشترك للمغرب وإسبانيا والبرتغال لاستضافة مونديال السيدات 2035 رؤية طموحة للمملكة في مجال كرة القدم، تسعى من خلالها إلى تعزيز مكانتها كقوة كروية صاعدة على المستويين القاري والعالمي. وبفضل الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والاستراتيجية المتكاملة لتطوير هذه الرياضة، يضع المغرب نفسه في موقع قوي لتحقيق هذا الطموح.

وفي انتظار قرار الفيفا في الربع الثاني من عام 2026، يواصل المغرب جهوده لتطوير كرة القدم بشكل عام والكرة النسائية بشكل خاص، واضعاً نصب عينيه هدف استضافة أكبر التظاهرات الرياضية العالمية، بما يعزز إشعاع المملكة على الساحة الدولية، ويساهم في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.