موقع الصالح : كيف يغير DeepSeek مشهد الذكاء الاصطناعى والتجارة العالمية؟

بينما كانت التحركات الكبيرة في السوق التي تسبب فيها DeepSeek قصيرة الأمد، فإن إصدار الشركة الناشئة الصينية لنموذج لغوي كبير عالي الأداء ومنخفض التكلفة من المرجح أن يكون له آثار طويلة الأجل على التكنولوجيا والتجارة والعلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.

فيما يلي أربعة توقعات حول هذه التأثيرات المحتملة:
 

تكاليف الذكاء الاصطناعي ستستمر في الانخفاض

جميع الابتكارات تهدف في جوهرها إلى تحقيق المزيد بتكلفة أقل، أو بمعنى اقتصادي، أن تكون خافضة للأسعار على مستوى الوحدة، حيث تمثل ثورة الذكاء الاصطناعي مثالًا واضحًا على ذلك، قبل إصدار DeepSeek كانت تكاليف النماذج السائدة للذكاء الاصطناعي قد انخفضت بالفعل بحوالي 80% سنويًا خلال العامين الماضيين، وجاء ديب سيك ليسرع هذا الاتجاه.

يبلغ الفرق في الأسعار بين تكلفة استخدام الرموز (token prices) في ديب سيك مقارنة باللاعب الرئيسي في السوق، OpenAI، حوالي 30 ضعفًا، مما يعكس تحسينات خوارزمية من DeepSeek واستراتيجية تسعير أكثر جرأة من OpenAI، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الانكماشي مع تقدم أبحاث الذكاء الاصطناعي وزيادة المنافسة في المجال.

“كعكة” اقتصاد الذكاء الاصطناعي ستكبر وسيتم تقسيمها بشكل مختلف

مع انخفاض تكلفة الذكاء الاصطناعي وزيادة إمكانية الوصول إليه، من المتوقع أن يتوسع استخدامه بشكل كبير، وفقًا لمفارقة Jevons، التي تنص على أن الطلب على مورد معين يزداد كلما جعلته التكنولوجيا أكثر كفاءة.

ومع تحول النماذج الأساسية إلى سلع عامة، من المفترض أن تتحول القيمة المضافة نحو التطبيقات، مما يعني أن المزيد من الموارد ستُخصص للاستدلال (Inference) – أي نشر الذكاء الاصطناعي لمهام محددة – بدلاً من التدريب.

سيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على وحدات معالجة متخصصة (XPUs) المصممة لأداء مهام تطبيقية محددة بكفاءة، بدلاً من وحدات معالجة الرسومات (GPUs) القياسية التي تُستخدم بشكل رئيسي في تدريب النماذج.

وقد أشارت “إنفيديا” بالفعل إلى أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، ففي مايو 2024 أعلنت الشركة أن الطلب المرتبط بالاستدلال ينمو بوتيرة أسرع من الطلب على التدريب، حيث يمثل الآن 40% من إجمالي الطلب.

ومع توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من المتوقع ألا يظل البحث في هذا المجال مقتصرًا على الجهات ذات التمويل الضخم، مما يفتح الأبواب أمام الابتكار في الأوساط الأكاديمية والعديد من القطاعات الأخرى. فعلى سبيل المثال، أدى نموذج DeepSeek R-1 بالفعل إلى ظهور آلاف النماذج مفتوحة المصدر المبنية على هندسته.

قيود تصدير الرقائق الأمريكية ستحتاج إلى إعادة تقييم

حقق ديب سيك اختراقه التقني باستخدام عدد أقل من الرقائق وأقل تطورًا مقارنة بنظرائه الأمريكيين، مما يثبت أن الابتكار يمكن أن يولد من رحم القيود.

وعلى الرغم من أن قيود التصدير الأمريكية قد تعوق تقدم DeepSeek ونظرائه الصينيين على المدى القصير، فمن غير المرجح أن توقف تقدمهم تمامًا، علاوة على ذلك قد تؤدي هذه القيود إلى عزل التكنولوجيا الأمريكية عن السوق الصينية بشكل دائم.

كما أن هذه التدابير قد تكون غير مجدية بالنظر إلى أن الإدارة الأمريكية تضع معالجة اختلال الميزان التجاري مع الصين على رأس أولوياتها، فقد عبر أحد الوزراء الصينيين عن الأمر بوضوح، قائلًا: “إذا كنا نرغب في الشراء من الولايات المتحدة، لكنهم يفرضون قيودًا على صادراتهم، فكيف يمكنهم خفض عجزهم التجاري؟”

ومع ذلك، فإن السياسيين الأمريكيين من كلا الحزبين ظلوا يطالبون بالمزيد من الضوابط على الصين، وليس العكس، خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن أي تعديل في قيود التصدير سيكون بمثابة نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ولن يتم اتخاذه بسهولة، ومع ذلك فإن التكاليف والفوائد لهذه القيود أصبحت أكثر توازنًا، ما يستدعي إعادة تقييم دقيقة لها.

تقارب المصالح بين قادة التكنولوجيا في الولايات المتحدة والصين
على الرغم من أن إنجاز ديب سيك ونهجه المفتوح المصدر أثارا في البداية قلق المستثمرين الأمريكيين، إلا أن العديد من قادة التكنولوجيا في الولايات المتحدة رحبوا بهذه التطورات.

فقد قامت منصات الحوسبة السحابية الكبرى، مثل “مايكروسوفت” و”AWS” و”Hugging Face”، بدمج نماذج متعددة تعتمد على DeepSeek R-1، كما أشار العديد من المسؤولين التنفيذيين في هذه الشركات إلى أن انخفاض تكلفة النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) سيؤدي إلى زيادة الطلب على خدمات الحوسبة السحابية، مما يعزز إيراداتهم.

وبالنظر إلى المستقبل، ستستفيد الشركات بشكل كبير من تعزيز الإنتاجية وخفض التكاليف الناتج عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع، بغض النظر عن مصدرها وينطبق ذلك بشكل خاص على الولايات المتحدة، حيث الأجور مرتفعة مقارنة ببقية العالم، وهناك نقص مستمر في المواهب المتخصصة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

يمكن العثور على تشابه تاريخي لهذه الديناميكيات في التوترات بين الصناعات الأمريكية واليابانية للسيارات في الثمانينيات، فقد قامت الشركات اليابانية في النهاية بإدخال نموذجها الخاص بالإنتاج إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى زيادة إنتاجية صناعة السيارات الأمريكية بشكل ملحوظ.

هل هو عصر جديد من التعاون أم تصاعد للمنافسة؟
 

يمثل المشهد المتغير للذكاء الاصطناعي فرصة هائلة للتعاون بين القوتين العظميين العالميتين، خاصة مع سعي الصناعة نحو الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو هدف قد يغير العالم، ومع ذلك فإن التوترات المستمرة بين الصين والولايات المتحدة – سواء في التجارة أو التكنولوجيا أو غيرها من المجالات – تهدد بتقسيم المشهد التكنولوجي وإبطاء التقدم.

ليس من الواضح ما إذا كنا نشهد بداية حقبة جديدة من التعاون التكنولوجي أو فترة من المنافسة العالمية المتزايدة، ولكن في كلتا الحالتين، يعد DeepSeek تذكيرا بمدى السرعة التي يمكن أن تتغير بها الأمور في عصر الذكاء الاصطناعي.