الجزائر – فتحت السلطات الجزائرية تحقيقات موسعة في قضية فساد جديدة تتعلق بتجاوزات مالية كبيرة خلال استضافة الألعاب الرياضية العربية في العام 2023، بينما تشكل القضية الجديدة أحدث حلقة فساد، يؤكد متابعون للشأن الجزائري أنه أكبر مما هو معلن وأنه نتاج عقود من سوء الإدارة السياسية، مشيرين إلى أن جهود النظام أقرب للدعاية منها لمكافحة ظاهرة أثقلت كاهل الاقتصاد.

وفيما احتفى الجزائريون بما اعتبروه نجاحا باهرا للألعاب العربية الرياضية التي شملت نحو 20 رياضة، جاء الكشف عن ملف الفساد الجديد ليعيد خلط الأوراق ويُبدد جهود تلميع صورة الجزائر كدولة قادرة على تنظيم فعاليات رياضية دولية كبرى.

ويقول خبراء إن قضايا الفساد الصغيرة ما هي إلا الشجرة التي تخفي غابة فساد أكبر خاصة في ظل تمتع كثيرين من المسؤولين بحصانة سياسية وفرت لهم الإفلات من العقاب وأن الأمر مرتبط بمنظومة كاملة تعززت خلال العقود الماضية ووجدت لها امتدادا بعد 2019.

وأظهرت الجزائر حزما في محاسبة كبار الفاسدين من رموز نظام الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذين تصفهم السلطة الحالية وقيادة الجيش بـ”العصابة”، لكن على الرغم من أن عددا من كبار المسؤولين والوزراء في النظام السابق موقوفون ويخضعون حاليا لمحاكمات، فإن شبكات واسعة ولوبيات في مؤسسات الدولة تستمر في نهب المال العام.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد تعهد بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، إلا أن الفضائح التي يُكشف عنها من حين إلى آخر حول الاختلاسات والصفقات العمومية المشبوهة التي تجري على غير الصيغ القانونية المعمول بها، تؤكد أن كبح الظاهرة التي تنخر مؤسسات الدولة الجزائرية لا يزال بعيد المنال.

وفي السنوات الماضية فجرت قضايا الفساد في شركة سوناطراك عملاق الطاقة الجزائري الحكومي، جدلا واسعا حول احتماء كثير من المسؤولين بغطاء سياسي وبنفوذ واسع داخل الدولة.

وسلطت تلك القضايا الضوء على حجم الفساد الذي اعتبره محللون جزء من النواة الصلبة للنظام الذي يدار من قبل كبار الجنرالات في الجيش من خلف ستار.

وتكشف قضية الفساد الأخيرة المتعلقة بإبرام اللجنة المنظمة، صفقات مع شركات خلال تنظيم الألعاب الرياضية العربية للعام 2023، على خلاف الصيغ القانونية، حالة الانفلات والثغرات التي أتاحت للمشتبه بهم التلاعب بالمال العام.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة الشروق الجزائرية في الفترة الأخيرة، لم تفتح النيابة العامة تحقيقا في ملف الفساد محل الذكر إلا بعد أن تلقت العديد من الشكاوى حول صفقات أبرمتها اللجنة العليا التحضيرية التنظيمية للألعاب الرياضية العربية، مع عدد من الشركات والقطاع الخاص.

وتشمل الصفقات المشبوهة النقل والإيواء والطعام مع عدد من الفنادق والمراكز وكذلك صفقات الإعلام والإشهار وغيرها من الخدمات، وهي صفقات تقدر بالمليارات.

فتحت مصالح الأمن تحقيقات واسعة حول شبهات فساد طالت الألعاب الرياضية العربية التي احتضنتها الجزائر العاصمة وعدد من الولايات على غرار وهران، قسنطينة، عنابة، تيبازة شهر جويلية 2023، تتعلق بتجاوزات وخروقات بالجملة والدوس على قانون الصفقات العمومية لتنظيم مثل هذه التظاهرات الكبرى.

وبحسب الصحيفة المحلية اتضح أن “مسؤولي اللجنة التحضيرية التنظيمية للألعاب الرياضية العربية، لجأوا إلى استعمال إذن بالطلب” وهو أمر ممنوع قانونيا للتعامل مع كل شركة بدلا من اللجوء إلى إعلان عروض للصفقات.

وإعلان العروض هو ما ينص عليه قانون الصفقات العمومية، فيما قالت ‘الشروق المحلية’، إن “لجنة الصفقات المركزية بوزارة المالية لم تمنح لهم (مسؤولي اللجنة التحضيرية) ترخيصا لاستهلاك الميزانية المخصصة لهذه الألعاب العربية”.

وتجاهل هؤلاء قرار وزارة المالية وتصرفوا خارج ما ينص عليه القانون دون الرجوع للإجراءات التنظيمية المعمول بها.

ولم يتلق الذين تم توظيفهم للمساعدة في إنجاح الفعالية الرياضية العربية مستحقاتهم المالية رغم مرور أكثر من عام على انتهاء التظاهرة، ما فجر موجة سخط وغضب ودفعهم للاتصال بمسؤولي اللجنة التنظيمية دون جدوى أو تجاوب مع مطالبهم.

ومن شأن الكشف عن ملف الفساد الرياضي أن يؤثر على جهود الجزائر لاستضافة فعاليات رياضية عالمية، اذ تدقق سلطات الاشراف الدولية في الملفات التي تتقدم بها الدول وما إذا كنت تستوفي كل الشروط.

ومن ضمن الشروط المعتمدة الشفافية ومكافحة الفساد واحترام حقوق الانسان. وسبق أن تعرضت قطر التي استضافت كأس العالم في نسخته 2022 إلى انتقادات دولية بسبب سجلها في حقوق الانسان وبسبب ما اعتبرته جهات حقوقية غياب للشفافية.