واشنطن – كشفت مايكروسوفت عن شريحة جديدة تحمل اسم “Majorana 1″، والتي تقول إنها ستمكن من إنشاء كمبيوترات كمّية قادرة على حل “مشكلات صناعية ذات مغزى في غضون سنوات، وليس عقودًا”.

وتعد “ماجورانا 1” أول شريحة كمومية للشركة الاميركية، قد جاء هذا الإنجاز بعد أن قضت الشركة ما يقارب عقدين من البحث في هذا المجال.

وقالت الشركة أن بناء “ماجورانا 1” تطلّب منها إنشاء حالة جديدة تماما من المادة تشير إليها باسم الحالة الطوبولوجية، إذ تستخدم الشريحة 8 كيوبيتات طوبولوجية والتي تعتمد على زرنيخيد إنديوم ثلاثي (شبه موصل) والألمنيوم (موصل فائق).

يعد بناء كمبيوترات كمّية قوية بما يكفي لحل مشكلات واقعية معقدة تحديًا كبيرًا، ويعتقد بعض الخبراء أن تحقيق ذلك لا يزال على بعد عقود. لكن مايكروسوفت تقول إن الجدول الزمني يمكن تسريعه بفضل التقدم “التحولي” الذي أحرزته في تطوير هذه الشريحة، والتي تعتمد على موصل طوبولوجي مصنوع من مادة جديدة طورتها الشركة.

وترى مايكروسوفت أن هذا الموصل الطوبولوجي قد يكون ثوريًا بقدر ما كان أشباه الموصلات في تاريخ الحوسبة.

تشكيك الخبراء

مع ذلك، أكد خبراء لهيئة الإذاعة البريطانية   بي بي سي أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات قبل تقييم أهمية هذا البحث ومدى تأثيره على الحوسبة الكمّية. ففي يناير الماضي، قال جنسن هوانغ، رئيس شركة Nvidia الرائدة في صناعة الرقائق، إنه يعتقد أن الحوسبة الكمّية “المفيدة جدًا” ستتحقق خلال 20 عامًا.

أما شتان نايك، الخبير التقني في مجال العتاد الكمّي لدى مايكروسوفت، فقد صرح بأن هذه التطورات ستغير التصورات التقليدية حول مستقبل الحوسبة الكمّية.

وأضاف”قال الكثيرون إن الحوسبة الكمّية، أي الكمبيوترات الكمّية المفيدة، لن تتحقق إلا بعد عقود. لكنني أعتقد أن هذا التطور يجعلنا نتحدث عن سنوات بدلًا من عقود.”

من جانبه، قال ترافيس هامبل، مدير مركز العلوم الكمّية في مختبر أوك ريدج الوطني بالولايات المتحدة، إنه يتفق مع أن مايكروسوفت ستتمكن الآن من تطوير النماذج الأولية بشكل أسرع، لكنه حذر من أن هناك المزيد من العمل المطلوب لتحقيق ذلك.

وأشار إلى أن “تحقيق الأهداف طويلة المدى لتطبيقات صناعية باستخدام الحوسبة الكمّية سيتطلب توسيع نطاق هذه النماذج الأولية بشكل أكبر”.

ما هي الحوسبة الكمّية؟

تحمل الحوسبة الكمّية وعدًا بإجراء حسابات تحتاج الكمبيوترات التقليدية ملايين السنين لإتمامها، مما قد يفتح الباب لاكتشافات جديدة في الطب والكيمياء والعديد من المجالات الأخرى.

هناك العديد من المشكلات المعقدة التي تعجز عنها الكمبيوترات التقليدية، سواء في الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والتي تشغل معظم التطبيقات الحديثة.

لكن هذه المشكلات قد تتمكن الكمبيوترات الكمّية من حلها بسرعة كبيرة، مما يفتح آفاقًا جديدة في تطوير الأدوية وتصميم بطاريات أكثر كفاءة.

نهج مختلف عن المنافسين

تتنافس العديد من شركات التكنولوجيا، بما في ذلك عمالقة وادي السيليكون، في سباق يقدر بمليارات الدولارات لتطوير حاسوب كمّي قوي بما يكفي لحل هذه المشكلات.

لكن مايكروسوفت اتبعت نهجًا مختلفًا عن معظم منافسيها، حيث اعتمدت في مسارها لبناء الكمبيوترات الكمّية على إنتاج موصل طوبولوجي.

هذا الموصل يستخدم مادة جديدة لإنشاء حالة طوبولوجية للمادة، وهي حالة لا تصنف ضمن الغاز أو السائل أو الصلب، وكانت حتى وقت قريب مجرد مفهوم نظري.

وتعتمد هذه التقنية على جسيمات ماجورانا، التي كانت تُعتبر نظرية بحتة، حتى أن الأبحاث التي زعمت اكتشافها عام 2018 تم التراجع عنها لاحقًا.

على عكس منافسيها الذين يعلنون عن تطورات جديدة بشكل مستمر، كما فعلت غوغل مع Willow في نهاية عام 2024، بدا أن مايكروسوفت تستغرق وقتًا أطول في تطوير تقنيتها.

لكن الشركة وصفت نهجها بأنه “مخاطرة عالية، لكن العائد قد يكون هائلًا”، وهي استراتيجية تعتقد الآن أنها ستؤتي ثمارها.

وقالت مايكروسوفت: “تمامًا كما أدت اختراع أشباه الموصلات إلى ظهور الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات الحديثة، فإن الموصلات الطوبولوجية ونوع الشريحة الجديدة التي تتيحها توفر طريقًا نحو تطوير أنظمة الحوسبة الكمّية.”

التحدي الأكبر: الكيوبتات

يتمثل أكبر تحدٍّ في الكمبيوترات الكمّية في وحدتها الأساسية، الكيوبت (Qubit)، التي تمتاز بسرعتها الهائلة لكنها أيضًا صعبة التحكم وعرضة للأخطاء.

كلما زاد عدد الكيوبتات في الشريحة، زادت قدرتها على المعالجة.

تقول مايكروسوفت إنها تمكنت من وضع ثمانية كيوبتات طوبولوجية على شريحتها الجديدة، وهو عدد أقل بكثير مما حققه بعض منافسيها.

لكنها تدّعي أنها تملك خطة لتوسيع هذا الرقم إلى مليون كيوبت، وهو ما سيتيح قوة حسابية هائلة.

تفاؤل حذر

قال البروفيسور بول ستيفنسون من جامعة سري إن البحث الذي نشرته مايكروسوفت يمثل “خطوة مهمة”، لكنه يرى أن التحديات لا تزال كبيرة.

وأضاف “حتى يتم تحقيق الخطوات التالية، من المبكر جدًا أن نكون أكثر من مجرد متفائلين بحذر”.

أما كريس هينن، أستاذ برمجة الحوسبة الكمّية في جامعة إدنبرة، فقد صرّح لبي بي سي أن خطط مايكروسوفت تبدو “ذات مصداقية”.

وأضاف “هذا تقدم واعد بعد أكثر من عقد من التحديات، وستكشف السنوات القليلة القادمة ما إذا كان هذا المسار الطموح سيثبت نجاحه”.