لندن – تستعد هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية لتجربة رائدة تهدف إلى تحسين المزاج باستخدام  شريحة دماغية مرتبطة بالكمبيوتر تُعدّل نشاط الدماغ مباشرةً باستخدام الموجات فوق الصوتية.

والجهاز، المصمم ليُزرع تحت الجمجمة ولكن خارج الدماغ، يقوم برسم خرائط للنشاط العصبي ويوفر نبضات مستهدفة من الموجات فوق الصوتية “لتنشيط” مجموعات من الخلايا العصبية.

سيتم اختبار أمان الجهاز وقدرته على التحمل على حوالي 30 مريضًا ضمن تجربة ممولة من وكالة الأبحاث والابتكار المتقدمة في المملكة المتحدة (Aria).

في المستقبل، يأمل الأطباء أن تُحدث هذه التقنية ثورة في علاج حالات مثل الاكتئاب، الإدمان، اضطراب الوسواس القهري، والصرع من خلال إعادة التوازن إلى أنماط النشاط الدماغي المضطربة.

قال جاك كارولان، مدير برنامج “Aria”: “يمكن أن تساعد تقنيات الأعصاب شريحة أوسع من الأشخاص مما كنا نعتقد. المساعدة في علاج الاكتئاب المقاوم للعلاج، والصرع، والإدمان، واضطرابات الأكل، هي الفرصة الكبيرة هنا. نحن في نقطة تحول فيما يتعلق بالحالات التي نأمل أن نعالجها وأنواع التقنيات الجديدة الناشئة لتحقيق ذلك.”

التجربة تأتي عقب تطورات سريعة في تكنولوجيا واجهة الدماغ-الكمبيوتر مع إطلاق شركة “Neuralink” لإيلون ماسك تجربة سريرية لمرضى الشلل العام الماضي، ودراسة أخرى استهدفت استعادة التواصل لمرضى السكتة الدماغية من خلال ترجمة أفكارهم مباشرة إلى كلمات.

ومع ذلك، تثير هذه التقنيات قضايا أخلاقية كبيرة تتعلق بملكية وخصوصية البيانات، إمكانية تحسين القدرات البشرية، وخطر التمييز العصبي، حيث يمكن استخدام بيانات الدماغ لتقييم ملاءمة الشخص للتوظيف أو التأمين الطبي.

قالت البروفيسورة كلير إلويل، أستاذة الفيزياء الطبية في كلية لندن الجامعية (UCL): “يمكن أن تكون هذه الابتكارات سريعة من الناحية التقنية، لكننا متأخرون في معالجة القضايا الأخلاقية المتعلقة بالأعصاب. نحن الآن قادرون على الوصول إلى المسارات العصبية بطريقة لم نتمكن من القيام بها من قبل، لذا يجب علينا أن ننظر بعناية إلى التأثيرات السريرية لأي تدخل ونتأكد دائمًا من أننا نتصرف لصالح المريض.”

وسيتم اختبار جهاز طورته مؤسسة “Forest Neurotech” غير الربحية ومقرها الولايات المتحدة. على عكس الغرسات التقليدية التي تُدخل الأقطاب الكهربائية في منطقة محددة من الدماغ، يستخدم “Forest 1” الموجات فوق الصوتية لقراءة النشاط العصبي وتعديله.

 وتصف “Aria” الجهاز بأنه “الأكثر تقدمًا في العالم” بفضل قدرته على تعديل النشاط عبر مناطق متعددة في الدماغ في نفس الوقت.

يفتح هذا إمكانيات مستقبلية لعلاج مجموعة واسعة من المرضى الذين يعانون من حالات مثل الاكتئاب والقلق والصرع، والتي تعتبر “اضطرابات على مستوى الدوائر” بدلاً من كونها محصورة في منطقة محددة من الدماغ.

وقال أيمن جمجوم، استشاري جراحة الأعصاب في مستشفيات باركينغ، هافيرينغ وريدبريدج الجامعية NHS، الذي يقود المشروع: “هذه تقنية أقل توغلًا، القدرة على تقديم شكل أكثر أمانًا من الجراحة أمر مثير للغاية. إذا نظرت إلى حالات مثل الاكتئاب أو الصرع، فإن ثلث هؤلاء المرضى تقريبًا لا يتحسنون. إنها تلك الفئات التي يمكن أن تكون تقنية كهذه حلاً يغير حياتهم.”

وستقوم التجربة بتوظيف مرضى أُزيل جزء من جمجمتهم مؤقتًا بسبب إصابات دماغية لتخفيف الضغط الحرج. يتيح ذلك اختبار الجهاز دون الحاجة إلى إجراء جراحة إضافية.

عند وضعه تحت الجمجمة أو لدى الأشخاص الذين يعانون من عيوب في الجمجمة، يمكن للموجات فوق الصوتية اكتشاف تغييرات دقيقة في تدفق الدم لإنتاج خرائط ثلاثية الأبعاد للنشاط الدماغي بدقة أعلى بحوالي 100 مرة من التصوير بالرنين المغناطيسي التقليدي. يمكن للغرسة نفسها أيضًا توجيه الموجات فوق الصوتية لتحفيز الخلايا العصبية على العمل في مواقع محددة.

وهناك مخاوف تتعلق بالسلامة، إذ يمكن أن تسبب الموجات فوق الصوتية ارتفاعًا في حرارة الأنسجة.

وقالت البروفيسورة إلسا فوراغنان، عالمة الأعصاب في جامعة بليموث المشاركة في المشروع: “ما نحاول تقليله هو الحرارة. هناك توازن بين الأمان والفعالية.”

وأضافت أنه من المهم أيضًا ضمان عدم حدوث تغييرات غير مقصودة في الشخصية أو اتخاذ القرارات – مثل زيادة الاندفاع.

وستستمر الدراسة لمدة ثلاث سنوات ونصف، بدءًا من مارس/اذار، مع تخصيص الأشهر الثمانية الأولى للحصول على الموافقات التنظيمية. إذا نجحت، تأمل “Forest” في الانتقال إلى تجربة سريرية كاملة لعلاج حالة مثل الاكتئاب.

تُعد تجربة “Forest 1” واحدة من 19 مشروعًا أعلن عنها يوم الاثنين ضمن برنامج “Aria” لتقنيات الأعصاب الدقيقة. وتشمل المشاريع الأخرى البحث في الروبوتات العصبية لعلاج الصرع، والهندسة الوراثية للخلايا العصبية، وزراعة أنسجة دماغية مختبرية.

وتأسست “Aria”، المكافئة البريطانية لوكالة داربا الأميركية، في عام 2023 بهدف تمويل مشاريع علمية عالية المخاطر وعالية المكافأة.