يستكمل المخرج التونسي قيس شقير بكثير من الجرأة والكوميديا السوداء، مسيرته في طرح المزيد من القضايا المتعلقة بالفساد المستشري في مفاصل الدولة، مع ضبط عدسات كاميراته على جملة من العلاقات الإنسانية والاجتماعية والسياسية في تونس.

يحمل عمل شقير السينمائي الجديد عنوان “صاحبك راجل” وهو عنوان يحيل في اللهجة التونسية على متناقضين، الأول له علاقة بمعنى إيجابي حول روابط الصداقة المتينة والقائمة على التضحيات والوفاء فـ”صاحبك” (صديقك) “راجل” أي أنك تجده عند الشدائد ويكون لك سندا، أما المعنى الثاني وهو سلبي، فيدل على الخذلان والتخاذل في مد يد العون، وانطلاقا من المعنيين المتناقضين وضع كل من زين العابدين المستوري وأحمد الصيد حبكة فنية تخلط بين الكوميديا السوداء والتأمل – وفق قراءة نقدية – في عمق المؤسسة الأمنية بالإضاءة على بؤر الفساد والتضحيات والتحديات والإرهاب التي تنخر المجتمع التونسي.

ونجح الفيلم منذ أولى مشاهده وعلى امتداد أكثر من الساعتين في نقل المشاهد إلى عالمه المليء بالإثارة والتشويق، فقد تعالت ضحكات المتفرجين الذين غاصت بهم قاعات العرض السينمائية التونسية التي بدأت في استقبال العمل منذ الحادي والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وضجت القاعات بالتصفيق وصيحات الإعجاب، مع انتهاء عرضه.

وركز شقير كاميراته منذ الوهلة الأولى على العلاقة المخصوصة بين الصديقين “عبدالعزيز” (يجسد دوره النجم كريم الغربي) و”حاتم – تيتو” (لعب دوره الممثل سفيان الداهش) القائمة على الانسجام على امتداد الفيلم لتتوج بالمصاهرة بزواج “تيتو” من “ميساء” شقيقة “عبدالعزيز” (أدت دورها لبنى السديري).

وتدور أحداث الفيلم حول “عبدالعزيز” الشاب الصائع العاطل عن العمل الذي ينتدب من قِبل المؤسسة الأمنية ليصبح شرطيا، فيتجه إلى مقر عمله محملا بتاركة من مخلفات النظام البائد بتونس التي ارتبط فيها اسم الشرطي وما يزال بكل أشكال الرشوة والفساد والتعنيف، لكنه يصطدم بمبادئ الضابط “مهدي الطاغرتي” (جسد دوره النجم ياسين بن قمرة) مديره المباشر، الرافض لكل امتيازات المهنة غير القانونية، وتتلى الأحداث فيتحول الثنائي من شريكا عمل إلى صديقين يتبادلان الزيارات العائلية، لكن استشهاد “مهدي” خلال مداهمة أمنية لإحدى بؤر الإرهاب يأخذ الأحداث إلى مسار مختلف ينفتح على جانب آخر لهذه الصداقة.

ويعتمد العمل في طرحه على أسلوب المباشراتية، حيث صرح “عبدالعزيز” في أكثر من مشهد بنواياه المبيتة من انتمائه لسلك الشرطة سواء بصفع كل من يعترضه أو بإبداء رغبته في الحصول على الامتيازات غير القانونية المرتبطة بالمهنة وعلى رأسها الرشوة.

كما يقدم الفيلم شبكة علاقات معقدة تكشف عمق الصراعات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأبطال، حيث يتناول العمل قضية شائكة تتمثل في جمع المرأة بين زوجين.

وقد حاول قيس شقير أن يتناول العديد من القضايا المتعلقة بالمؤسسة الأمنية في تونس ومنها وضعية زوجات شهداء المهنة، حيث يختصر الأمر وفق تصوير ساخر في إطلاق اسم الشهيد على أحد الشوارع أو الساحات مع سحب الجراية عن زوجته.

كما تناول العمل جملة من المشكلات المتعلقة بمجالات مختلفة بينها الصحة بالإضاءة على مسألة التبرع بالأعضاء في محاولة غير مباشرة لشد الانتباه لأهمية توفر متبرعين، كذلك أظهر الجانب المظلم لعالم التطور التكنولوجي عبر مشهد حول التلاعب الإلكتروني والتضليل، ولم يخل من تناول في مشاهد طريفة لاستهلاك أصناف من المخدارت لاسيما في الأوساط الشعبية،كما تطرق بشكل عابر لمسألة الدعارة.

الفيلم جمع نخبة من النجوم بينهم كريم الغربي، سفيان الداهش، ياسين بن قمرة، درة، صلاح مصدق، كوثر الباردي، يونس الفارحي، ولبنى السديري، وضيوف الشرف فارس عبدالدايم، فوزي بن قمرة، وعبدالرزاق الشابي، وقد أظهر العمل تطورا ملحوظا في أداء الممثلين، وحرفية في الكتابة.

ويتوقع أن تشهد العروض المبرمجة للفيلم بكامل المحافظات التونسية إقبالا جماهيريا كبيرا، نظرا لشعبية صناع العمل الذين سبق لهم تقديم الفيلمين الكوميديين “سبق الخير” و”سوبر تونسي” اللذين تم تحويلهما بعد ذلك إلى سلسلتين هزليتين خلال المواسم الرمضانية الماضية.