الجزائري – حذر السفير الفرنسي الأسبق لدى الجزائر كزافيي دريانكور النظام الجزائري من تداعيات الأزمة الدبلوماسية المترتبة على اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، معتبرا أن السلطات الجزائرية وجدت نفسها في مأزق بسبب إهدارها العديد من الفرص لطيّ صفحة التوتر مع باريس بسبب تصعيدها حيال دعوات التهدئة التي أطلقها المسؤولين الفرنسيين.

وأكد دريانكور في حوار مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن الجزائر في حاجة ملحة إلى فرنسا وأوروبا، معتبرا أن السلطة السياسة القائمة فشلت في استثمار الفرصة الفريدة التي أتاحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق لإخراج العلاقات بين البلدين من مربع التذبذب وتدشين مرحلة جديدة.

وكان ماكرون قد أرسل إشارات إيجابية على استعداد بلاده لترميم العلاقات مع الجزائر، بينما سعت الأخيرة إلى انتهاز الفرصة للضغط على فرنسا من أجل دفعها لتقديم تنازلات في العديد من الملفات الخلافية ويتصدرها ملف الذاكرة المتعلق بالفترة الاستعمارية.

وأكد الدبلوماسي الفرنسي السابق أن “باريس لديها العديد من الوسائل التي يمكن لها استخدامها للضغط على الجزائر، من بينها إلغاء الاتفاق بشأن نقل الأشخاص المبرم بين البلدين في العام 1986 ووقف العمل بالإعفاء من التأشيرات لفائدة حاملي الجوازات الدبلوماسية”، وفق موقع “الصحيفة” المغربي.

وأشار إلى أن فرنسا بإمكانها غلق الباب في وجه الوافدين من الجزائر رغم حصولهم على تأشيرات “شنغن”، معتبرا أن هذه الخطوة من شأنها أن يكون لها “تأثير ردعي” على السلطات الجزائرية، خاصة بعد الانتقادات التي وجهتها إلى باريس بشأن سوء معاملة مواطنيها في مطار أورلي.

وأضاف المصدر نفسه أن “باريس يمكنها عرقلة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والجزائر بشأن اتفاقية الشراكة، مما سيضاعف الضغوط الاقتصادية على البلاد”.

وأوضح أن الجزائر تعتمد بشكل كبير على الواردات الفرنسية في العديد من القطاعات الحساسة مثل التكنولوجيا وتمويل عدة مشاريع تنموية، لافتا إلى قدرة باريس على فرض قيود على التعاملات المالية والمصرفية مع الجانب الجزائري.

واعتبر السفير السابق أن الدبلوماسية الجزائرية فشلت في التعاطي الإيجابي مع مبادرات المصالحة من قبل باريس، لافتا إلى أن العديد من الشخصيات السياسية والرأي العام الفرنسي باتوا يشككون في جدوى تقديم تنازلات للجزائر.

ووصلت العلاقات المتصدعة بين الجزائر وباريس إلى نقطة اللاعودة بعد اعتقال الكاتب من أصل جزائري بوعلام صنصال في نوفمبر/تشرين الثاني على خلفية تصريح إعلامي أكد خلاله صحة وثائق تثبت اقتطاع أراض من المغرب أثناء الفترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.

ورفضت الجزائر كافة الدعوات للافراج عن صنصال واتهمته بـ”العمالة”، فيما أكد محاميه في وقت سابق أن موكله وجهت له تهمة استنادا إلى مادة متعلقة بالإرهاب في القانون الجنائي الجزائري.

وكانت فرنسا قد اعتقلت خلال الآونة الأخير أربعة مؤثرين جزائريين إثر نشرهم فيديوهات تضمنت تحريضا على نشطاء حملة “مانيش راضي” المنددة بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، وسط دعوات بالخروج في مظاهرات حاشدة، ما أربك النظام الجزائري الذي شن حملة اعتقالات بهدف ترهيب المنضمين إليها، متوجسا من تكرار سيناريو الحراك الذي أدى إلى الإطاحة بنظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وتطرق السفير الفرنسي الأسبق لدى الجزائر إلى قضية ترحيل المؤثر الجزائري نعمان بوعلام المعروف باسم “دولامار” الذي قامت بلاده بإرجاعه على متن الطائرة نفسها، قائلا إن “فرنسا التزمت بمبادئ دولة القانون، خلافا للسلطات الجزائرية التي رفضت استقبال أحد مواطنيها رغم حيازته جواز سفر بيومتري جزائري”.

وقابلت الجزائر دعوات فرنسية للتهدئة بالتصعيد، بينما سعت وسائل إعلام موالية للسلطة إلى الترويج لفكرة أن فرنسا هي التي تحتاج إلى الجزائر وليس العكس.

ويستبعد مراقبون انفراجة وشيكة للأزمة الدبلوماسية بين البلدين باعتبار أن الجزائر لا تزال تحت وقع صدمة الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه، وتحاول عبثا أن تضغط على باريس للرجوع عن موقفها رغم أن ماكرون كان واضحا خلال زيارته التاريخية إلى المملكة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتأكيده التزم بلاده الراسخ بدعم القضية المغربية في المحافل الدولية، مشددا على أن مبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب هي الحل الوحيد لإنهاء النزاع المفتعل.