الرباط – تبعث زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي التي بدأتها الاثنين إلى مناطق الصحراء المغربية وافتتاح مركز ثقافي فرنسي ولقاء عدد من المسؤولين، رسالة دعم ثابت لسيادة المغرب على كل أراضيه بما فيها الأقاليم الجنوبية، في تجديد لالتزام باريس بموقفها المعلن من ملف النزاع المفتعل من قبل الجزائر وجبهة بوليساريو.

وتأتي الزيارة استكمالا لجولة بدأتها الوزيرة الفرنسية السبت شملت مدينة طرفاية برفقة وزير الثقافة والشباب المغربي محمد المهدي بنسعيد، وهي المدينة التي تتمتع برمزية تاريخية كبيرة فِي التاريخ المغربي الذي يرجع إلى حقبة المسيرة الخضراء بقيادة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني عام 1975 والتي سطرت ملحمة تاريخية نحو استعادة السيادة المغربية على الصحراء.

وأرادت داتي وهي فرنسية من أصول مغربية إظهارا دعم باريس للسيادة المغربية على الصحراء، وهو الموقف الذي أعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال زيارته التاريخية للمملكة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي وهي الزيارة التي جاءت بعد اعلان الاليزيه دعمه لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا وحيدا وواقعيا لإنهاء النزاع المفتعل منذ العام 1975 حول الصحراء.

وقال ماكرون حينها أمام البرلمان المغربي إن “الصحراء الغربية تعود للمغرب”، في حين وعد وزير خارجيته بزيادة الوجود القنصلي لبلاده في الصحراء المغربية.

وخلال الزيارة أُبرم المغرب وفرنسا اتفاقيات تجارية بقيمة تزيد عن 10 مليارات دولار، وفي أعقاب ذلك توسط الرباط في إطلاق سراح أربعة فرنسيين كانوا محتجزين في بوركينا فاسو، فيما يثير هذا الموقف غضب الجزائر الداعمة والحاضنة لجبهة بوليساريو.

وقالت الوزيرة الفرنسية لصحفيين مغاربة “إنها لحظة تحمل دلالة رمزية وسياسية كبيرة”. وصارت فرنسا في يوليو/تموز الماضي ثاني عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعم موقف المغرب بعد الولايات المتحدة واسبانيا.

ووصلت داتي صباح الاثنين إلى مدينة طرفاية يرافقها نظيرها المغربي محمد المهدي بنسعيد، في إطار الزيارة التي شكلت فرصة لتعزيز الروابط الثقافية المغربية الفرنسية بصفة خاصة والمغربية الأوروبية بشكل عام ضمن مسار جديد للعلاقات الثنائية بعد فترة برود وتوتر على خلفية ملفات خلافية جرى تسويتها وانتهت باعتراف فرنسي بمغربية الصحراء، ليدشن البلدان بذلك مرحلة جديدة من الشراكة وصفحة جديدة من التعاون في مختلف المجالات.

وإلى جانب البعد الثقافي حيث وقفت داتي في مدينة طرفاية على مجموعة من المعالم التاريخية والثقافية التي تعكس الغنى الحضاري للمنطقة، تحمل زيارة الوزيرة الفرنسية أبعادا اقتصادية وسياسية.

وبحسب وسائل اعلام مغربية، استهلت داتي زيارتها للأقاليم الجنوبية بقصبة طرفاية وهي واحدة من كبرى المعالم التاريخية ثم انتقلت بعدها إلى دار البحر (كاسمار) وهو أحد الحصون التاريخية الذي أنشأه التاجر والمهندس الإنكليزي دونالد ماكنزي بدعم من الحكومة البريطانية قبل أن ينتقل إلى الإسبان الذين جعلوا منه مركزا للمبادلات التجارية.

كما زارت الوزيرة الفرنسية متحف أنطوان دو سانت إكزوبيري الذي يحتفي بإرث الكاتب الفرنسي الشهير مؤلف ‘الأمير الصغير’ الذي استقر في طرفاية سنة 1927 حين كان مكلفا بإيصال البريد الجوي بين فرنسا والمغرب، وفق تقرير نشره موقع ‘هسبريس’ الاخباري المغربي.

وقالت داتي عقب زيارتها طرفاية إن “المدينة تحمل إرثا ثقافيا عريقا خاصة من خلال ارتباطها بالكاتب والطيار أنطوان دو سانت إكزوبيري الذي شغل منصب مسؤول المطار في المنطقة”، مؤكدة على البعد الرمزي والتاريخي لهذه المحطة.

وذكرت وسائل اعلام مغربية أن الوزيرة الفرنسية وقعت بمناسبة هذه الزيارة، عن “توقيع اتفاقيات جديدة تشمل مجالات الألعاب الإلكترونية والسينما والقطاع السمعي البصري والتراث وعلم الآثار إلى جانب إطلاق معهد للإعلام والسمعي البصري وإنشاء فرع للتحالف الفرنسي في المنطقة”.

وأوضحت أن هذه المبادرات تمثل في توقيتها ومضمونها الروابط التاريخية التي تجمع بين المغرب وفرنسا، مشددة على أن “التعاون الثقافي سيظل محورا أساسيا في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين”.

وقال وزير الثقافة المغربي من جهته إن “الاتفاقيات التي تم توقيعها أمام أنظار الملك محمد السادس ورئيس جمهورية فرنسا (ايمانويل ماكرون)، بدأت تدخل اليوم مرحلة التفعيل وأن زيارة داتي تحمل أبعادا رمزية وتاريخية وسياسية”.

ونقل موقع ‘هسبريس’ عن الوزير محمد المهدي بنسعيد قوله في تصريح خاص إن “المغرب يواصل التأكيد على سيادته الكاملة على أقاليمه الجنوبية وأن تفعيل الاعتراف بهذا الواقع يشكل رسالة سياسية واضحة ومهمة”، مضيفا أن “الشراكة الثقافية مع فرنسا تعزز هذا التوجه، خصوصا من خلال المشاريع التي تهدف إلى تثمين الإرث الثقافي لمدينة طرفاية، التي ارتبطت بشخصية أنطوان دو سانت إكزوبيري، حيث سيتم استثمار إرثه التاريخي في تعزيز الإشعاع الثقافي للمنطقة”.