الصالح نيوز :
حفل بأوبرا دمشق يبعث برسالة أمل لسوريا ما بعد الأسد
الصالح نيوز :
حفل بأوبرا دمشق يبعث برسالة أمل لسوريا ما بعد الأسد
حفل بأوبرا دمشق يبعث برسالة أمل لسوريا ما بعد الأسد
دمشق – التقط بهجت أنطاكي أنفاسه قبل أن يصعد وزملاؤه في الفرقة السمفونية الوطنية السورية إلى مسرح دار أوبرا دمشق، على وقع تصفيق حار من الجمهور الآتي لحضور حفلتهم الأولى بعد الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد.
وكانت الفرقة توقفت عن العزف والتدريبات عقب سيطرة فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام الإسلامية التوجه وإسقاط الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبعد انقطاع لأسابيع، أعاد الموسيقيون لمّ شملهم وأقاموا أمسية الخميس حضرها مئات السوريين، في مؤشر على أن مظاهر فنية لطالما عرفتها دمشق، بدأت تعود تدريجيا في مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم.
وفي ليلة جمعت بين الفن والأمل قدمت الفرقة حفلاً موسيقيا مميزا تحت عنوان “للشهداء ولمجد سوريا”، ضمن مبادرة تطوعية تهدف إلى التأكيد على وحدة سوريا وأبنائها عبر لغة الموسيقى التي تتجاوز الحدود وتلامس القلوب.
وقدمت الفرقة في بداية الحفل مقطوعة “لشهداء ولمجد سوريا” حملت في نغماتها روح التضحية والفخر والاحترام لدماء الشهداء الذين كان دمهم طريقاً لانتصار الثورة، وبعدها عزفت مقطوعة “الدوامة” للموسيقي عاصم مكارم التي جاءت كتحية صادقة للإنسان السوري الذي تعرض للاختفاء القسري مع عرض بصري مؤثر جسد معاناة الغياب القسري وأمل العودة.
وعزفت الفرقة بعد ذلك، مقطوعة “القدر” لبيتهوفن من السمفونية الخامسة التي عبرت عن رحلة الشعب السوري منذ بداية الثورة، مروراً بآلام القتل والتهجير والتعذيب، وصولاً إلى بريق النصر والأمل. كما قدمت الفرقة مقطوعة “خطوتين من كسارة البندق” لتشايكوفسكي، كرسالة تفاؤلية بأن السوريين سيسيرون معا لبناء مستقبل يليق بدماء الشهداء.
وترافق عزف الموسيقيين مع عرض صور غرافيكية على شاشة عملاقة خلفهم، تمثّل بمجملها مراحل مختلفة من أحداث مفصلية مرّت بها البلاد منذ عام 2011، ومشاهد علقت بذاكرة السوريين، مثل صورة الطفل إيلان الكردي الذي عثر عليه ميتا على شاطئ تركي، وتحوّل رمزا لأزمة المهاجرين السوريين إلى أوروبا.
وفي حين كسر السوريون حاجز الخوف والترهيب الذي ساد لعقود خلال حكم آل الأسد، يخشى كثيرون من توجه السلطة الجديدة إلى إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات وحظر أنشطة ترفيهية منها تلك المرتبطة بالموسيقى. في المقابل، يسعى المسؤولون الجدد إلى تكرار رسائل طمأنة مختلف الشرائح المحلية والمجتمع الدولي.
ويقول أنطاكي (24 عاما) “لم تكن سوريا يوماً مبنية على حالة متشددة، ولطالما كنا من ثقافات متعددة، لكن الحالة الشعورية اليوم مرتبطة بشهدائنا الذين فقدناهم خلال ثورتنا”، في إشارة للاحتجاجات المناهضة للأسد التي اندلعت في 2011 وتحوّلت نزاعا داميا مع قمعها بعنف من السلطات.
يضيف العازف الشاب “حفلنا اليوم بهدف تكريس جهدنا في الموسيقى، ولنقول إننا موجودون وقادرون على إنتاج الفن”، متابعا بحماسة “سوف نستمر، وسوف نكون أقوى وأجمل”.
ووفقا للوكالة العربية السورية للأنباء، فإن عازفة الفيولا راما البرشا أشارت إلى أهمية هذا الحفل كخطوة نحو إعادة إحياء المؤسسات الثقافية، معربةً عن أملها بعودة الموسيقيين السوريين الذين غادروا البلاد خلال السنوات الماضية، كما دعت إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي للموسيقيين لتمكينهم من تقديم المزيد من الحفلات الكبيرة، واستضافة فنانين عرب وأجانب.
وتقول الموسيقية البالغة 33 عاما “لا أتقن شيئا في الحياة غير الموسيقى، وأنا هنا لأجدد القول إن الموسيقى لغة لا تحتاج لمترجم، ويفهمها الجميع، بغض النظر عن دينه أو طائفته أو عرقه”، مضيفة “هناك قلق مشروع من قبل الموسيقيين، لكننا نتأملُ أن يتم دعمنا بشكل أكبر، لاسيما أن النظام السابق كان يحاول استثمارنا من أجل تحسين صورته”.
وعزفت البرشا مع زملائها مقطوعة للموسيقي عاصم مكارم حملت عنوان “الدوامة”، وعُرض في خلفيتها صور قيود تدلّ على حالات الاعتقال ومشاهد أيادٍ من خلف القضبان.
ولم يكن هذا الحفل مجرد عزف موسيقي، بل كان أكثر من ذلك.. كان رسالة أملٍ وتضامن، وخطوةً نحو بناء مستقبلٍ يليق بسوريا وشعبها.
ولفت عازف الكمان أندريه مقدسي إلى أن “هذا الحفل هو تعبير عن مشاركتنا في المشهد الثقافي، وهو رسالة تفاؤل بأن القادم أجمل”، متابعا “اخترنا برنامجاً متنوعاً ليعبر عن الحالة الإنسانية، من تحية للشهداء إلى معزوفات تحمل في طياتها الأمل والانتصار”.
وتطوّع عازفو الفرقة السيمفونية الوطنية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان لتقديم ثماني مقطوعات لمؤلفين سوريين وعالميين على مدار ستين دقيقة على مسرح دار الأوبرا التي دشنت قبل نحو عشرين عاما، وكانت تعرف رسميا بـ”دار الأسد للثقافة والفنون”.
ومع تصاعد الإيقاع تارة، وارتفاع الآلات الوترية تارة أخرى، تأثّر بعض الحضور ومنهم من بكى حين شاهد صوراً نازحين سوريين في المخيمات، أو مهاجرين غارقين عبر البحر، ضمن سلسلة الصور التي كانت تعرضُ خلف العازفين.
وتعاني أوبرا دمشق من ضعف الإمكانيات المادية، إذ أدى ارتفاع ثمن المحروقات إلى عدم تشغيل أجهزة التدفئة المركزية خلال الحفل، ولم يتقاض العازفون أجراً على حفلتهم، بينما تطوّع فنيون وعاملون بأجهزة ومعدّات لوجستية لتقديم خدماتهم.
لكن ذلك لا يبدو أنه أثّر على ما تعنيه الأمسية بالنسبة إلى كثيرين، ومنهم الطبيب عمر حرب (26 سنة) الذي حضر إلى هذه الدار للمرة الأولى في حياته، قائلا “هذه أول مرة آتي إلى هنا، وصراحة ذهلت… آمل في أن تبقى هذه القصص (الفعاليات) مستمرة”، معتبرا أن “الموسيقى واجهة البلد الثقافية”.
أما يمامة الحوّ (42 عاما)، فاعتادت حضور الأمسيات في مسرح الدار التي يطغى عليها اللون الأحمر وتحيط به شرفات خشبية يزيّنها حاجز ذهبي اللون.
وخرجت الحو من الأمسية بابتسامة عريضة على وجهها، وتشاركت الصور التذكارية مع عائلتها وأصدقائها، وأصرّت أن تصافح العازفين وتشكرهم على أدائهم.
وتقول بحماسة “هذا المكان (دار الأوبرا) أحبّه جدا، والمشهد الذي شاهدته اليوم هو سوريا التي أحبّها”، مضيفة “هذه الموسيقى هي تكريم لكلّ سوري بقي في سوريا، وناضل من أجل هذا اليوم، هذه الموسيقى هي تحيّة لنا ولأرواح الشهداء”، متابعة “أنا متفائلة جدا، ومتفائلة بغد أجمل”.
و”أوبرا دمشق” تحفة معمارية لا تخرج عن نسيج المدينة التي تحتضنها، فرغم أن لها مظهر القلاع الصلدة بالنسبة إلى العابرين، فإنها سرعان ما تبدي حنوها حين يدلف المرء إلى أبهائها الواسعة، بل إن شبابيكها وشرفاتها كذلك سرعان ما تحيل إلى شبابيك دمشق ومشربياتها، في عمارة تستلهم روح المدينة الأقدم.
وأتى سقوط الأسد بعد أكثر من 13 عاما على نزاع أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير الملايين، وإلحاق دمار واسع بالبلاد وبناها التحتية.
وأقيمت مؤخرا أمسيتا إنشاد ديني في دار أوبرا دمشق، إحداهما للمنشد المعارض المعروف محمّد أبوراتب العائد إلى سوريا بعد نحو أربعة عقود على مغادرتها جراء مواقفه المناهضة للنظام منذ عهد حافظ الأسد والد بشار.
الصالح نيوز :
حفل بأوبرا دمشق يبعث برسالة أمل لسوريا ما بعد الأسد
الصالح نيوز :
حفل بأوبرا دمشق يبعث برسالة أمل لسوريا ما بعد الأسد
#حفل #بأوبرا #دمشق #يبعث #برسالة #أمل #لسوريا #ما #بعد #الأسد