الجزائر- بعد أشهر من تصاعد التوتر القائم بين الجزائر وفرنسا، قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إن” المناخ ضار” بين البلدين، مشدّدا على وجوب أن يستأنف الجانبان الحوار متى عبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوضوح عن رغبة بذلك.

ووصف تبون خلال مقابلة صحفية مع الصحيفة الفرنسية “لوبينيون” مناخ العلاقات مع باريس في الظرف الراهن بأنه “مسموم، والوقت يضيع مع الرئيس ماكرون، بعد أن كانت هناك آمال كبيرة في تخطي خلافات الذاكرة”.
وفي رده على سؤال بخصوص مدى استعداده لاستئناف الحوار، شريطة أن تكون هناك تصريحات سياسية قوية من الطرف الفرنسي، رد الرئيس الجزائري قائلا “بالتأكيد، لكن ليس أنا من سيقوم بالإدلاء بها”، مضيفا “بالنسبة لي، الجمهورية الفرنسية هي أولا وقبل كل شيء رئيسها، وهناك مثقفون وسياسيون نحترمهم في فرنسا”.

وتشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر، أزمة دبلوماسية كبرى منذ تبنّت باريس المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي للصحراء المغربية المتنازع عليها تحت سيادة المملكة.

وإزاء تدهور العلاقات، قال تبون إنه “موافق بالكامل” على وجوب استئناف الحوار، وهو ما كان تطرّق إليه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، لكنه أشار إلى وجوب صدور تصريحات سياسية قوية بهذا الاتجاه، مشدّدا على أهمية “أن يُسمع الرئيس الفرنسي والمثقفون ومؤيدو العلاقة أصواتهم”.

وتابع الرئيس الجزائري “لا شيء يحرز تقدّما باستثناء العلاقات التجارية. الحوار السياسي شبه مقطوع”، معربا عن أسفه لـ”تصريحات عدائية تصدر كل يوم” عن مسؤولين فرنسيين.

وشهدت العلاقات بين الجزائر وباريس في الأشهر القليلة الماضية تصاعدا في وتيرة التوتر لا سيما على إثر اعتقال الكاتب الفرنسي من أصول جزائرية بوعلام صنصال من قبل السلطات الجزائرية منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بالإظافة الى اعتقال مجموعة من المؤثرين في فرنسا بتهمة الدعوة الى العنف.

واعتبر تبون أن قضية صنصال “ليست مشكلة جزائرية، موضحا “إنها مشكلة لأولئك الذين أوجدوها (…) حالات أخرى لحملة جنسيتين لم تستقطب تضامنا كهذا”، مضيفا أن القضية “ترمي إلى التعبئة ضد الجزائر”.

وأشار الى أن الكاتب الذي مُنح الجنسية الفرنسية لم يستفد من زيارة قنصلية، ذلك لأنه “جزائري في المقام الأول”، لافتا الى أنه “يتلقى رعاية على يد أطباء وسيحاكم ضمن المهل القضائية. ويمكنه الاتصال هاتفيا بزوجته وابنته على نحو منتظم”.

ولم تغادر العلاقات بين الجزائر وفرنسا مربع التوتر طيلة الأعوام الماضية بسبب تلغيم الجزائر للمباحثات بشأن النقاط الخلافية التي يتصدرها ملف الذاكرة، بعدة اشتراطات رغم أن باريس أبدت أكثر من مرة استعدادها للتوصل إلى حلول للأزمة. وكانت الأخيرة قد أعلنت في وقت سابق تمسكها بالحوار لحل الأزمات الكامنة والناشئة حديثا، فيما لم تظهر الجزائر أي مؤشرات على التهدئة.

وكان وزير الخارجية الفرنسي قد أعلن الأسبوع الماضي أنه “مستعد للذهاب إلى الجزائر لبحث كافة القضايا وليس فقط تلك التي وردت في الأخبار خلال الأسابيع الأخيرة”، مقدرا أن “فرنسا والجزائر ليس لديهما أي مصلحة في استمرار التوتر بينهما”.

كما دعا وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو الثلاثاء الماضي إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات و”إعادة بناء العلاقة” المتوترة حاليا بين الجزائر وباريس، معبّرا عن شعوره بالأسف حيال سياسات الحكومة الجزائرية.

وأضاف أن “كره فرنسا أصبح موضوعا للسياسة الداخلية” في الجزائر، قائلا إنه “كان علينا أن ننجح في الخروج من هذا الوضع”.

ويرى مراقبون أن السلطات الجزائرية تأمل أن يقودها الضغط على فرنسا لتغيير موقفها من مغربية الصحراء ومن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة طريقا وحيدا لتسوية النزاع المفتعل في الصحراء، لكن الجانب الفرنسي سبق وأن أكد أن موقفه غير قابل للمساومة باعتباره قرارا سياديا وفضلت تعزيز وتوسيع الشراكة مع المغرب على سواه من دول المنطقة في موقف براغماتي يجعل من مصالح فرنسا بوصلة لعلاقاتها مع دول المغرب العربي.