الجزائر – روّج الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في كلمة أمام البرلمان الأحد لفكرة أن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الذي يطرحه المغرب كحل وحيد لإنهاء النزاع المفتعل حول صحرائه، هو “صناعة فرنسية”، متناسيا أن الرباط طرحت مبادرتها لتسوية القضية منذ نحو 18 عاما، فيما يبدو أن تبون يسعى إلى التجييش ضد المملكة وباريس، بسبب هواجسه من تعهد فرنسا بدعم المغرب في المحافل الدولية، ما يؤشر على أن الرباط باتت أقرب من أي وقت مضى لحسم هذا الملف.

ويعكس تركيز تبون على قضية الصحراء المغربية في خطابه أمام البرلمان، والذي كان من المفترض أن يتطرق خلاله إلى الملفات الحارقة التي تهمّ الجزائريين، ابتعاده عن الواقع وسعيه إلى التغطية على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، بالتزامن مع تصاعد الدعوات للاحتجاج على تدهور الأوضاع، في إطار حملة #مانيش_راضي التي اجتاحت منصة “إكس” وباتت تمثل كابوسا للنظام الجزائري المتخوف من سيناريو حراك العام 2019.

وقال الرئيس الجزائري في كلمته إن “فكرة الحكم الذاتي فرنسية وليست مغربية ونحن على علم بذلك منذ عقود”، مضيفا أن “خيارات الحلول في قضية الصحراء تتراوح بين المُر والأمر وهي قضية تصفية استعمار وتقرير مصير”، مشددا على أن بلاده لن تغير موقفها بشأن هذا الملف.

ويأتي تحريك تبون لهذا الطرح الانفصالي بعد أن صار شعارا منسيّا، في وقت قطعت فيه العديد من الدول علاقاتها مع جبهة بوليساريو التي باتت تواجه عزلة تتفاقم يوما بعد يوم، باعتبارها كيانا غير شرعي، بالتزامن مع تزايد الدعوات لتصنيفها تنظيما إرهابيا.

وتتوجس الجزائر من تدشين الرباط وباريس صفحة جديدة في العلاقات بعد الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومباحثاته مع العاهل المغربي الملك محمد السادس التي توجت بإبرام حزمة من الاتفاقيات في مختلف القطاعات، بينما تعهدت باريس بدعم سيادة المغرب على صحرائه في المؤسسات الدولية، ولا سيما مجلس الأمن.

ويرى مراقبون أن الجزائر فشلت في ترميم في علاقاتها المتصدعة مع فرنسا بعد أن لغمت المباحثات باشتراطات في العديد من القضايا من بينها ملف الذاكرة المتعلق بالحقبة الاستعمارية، بينما سعت إلى مداراة هذا العجز بالترويج لفكرة أن باريس تمد لها يدها.

ولا تلوح في الأفق بوادر لتهدئة التوتر بين فرنسا والجزائر التي سعت خلال الآونة الأخيرة إلى تعليق تذبذب علاقاتها مع باريس على شماعة الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه تتويجا لعودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، رغم أن خلافاتها مع فرنسا تعود إلى ما قبل إنهاء باريس ترددها بشأن القضية المغربية. 

ويقيم خطاب تبون أمام البرلمان الجزائري الدليل القاطع على أن بلاده طرف في النزاع حول الصحراء المغربية ويكشف سعيها إلى إطالة أمده من خلال تجاهلها لكافة الدعوات الدولية للانضمام إلى الموائد المستديرة.

وتزيد النجاحات الدبلوماسية التي حققتها الممكلة في قضية الصحراء المغربية من إرباك الدبلوماسية الجزائرية، لا سيما في ظل اتساع قائمة الدول العربية والأفريقية والأوروبية الداعمة لسيادة المغرب على صحرائه والمؤيدة لمقترح الحكم الذاتي لإنهاء النزاع المفتعل.

وفي سياق متصل نقل موقع “هيسبريس” المغربي عن محمد عطيف، الباحث في الشؤون الدولية، قوله إن “خطاب تبون لا يرقى أولا إلى مستوى الخطاب السياسي لرؤساء الدول والحكومات، ويسيء عن وعي أو من دونه إلى الدولة وإلى مؤسسة الرئاسة في هذا البلد”.

وتابع أن “كل خطابات رموز النظام الجزائري لا تنفك تثير قضية الصحراء المغربية التي أصبحت قضية مركزية ينبني عليها الخطاب السياسي في الجزائر، متفوقة بذلك على قضايا أكثر إلحاحا بالنسبة للشعب”.