الرباط – وقع المغرب خلال الأسبوع الجاري اتفاقية تعاون عسكري مع الكاميرون وذلك بعد نحو شهر من اتفاق مماثل أبرمته المملكة مع مالي، فيما يبدو أن الرباط تسعى إلى تعزيز نفوذها في هذا المجال، لا سيما بعد أن رسخت مكانتها كقوة عسكرية صاعدة تلعب دورا محوريا في التصدي للمخاطر الأمنية وحفظ الاستقرار في منطقة مضطربة.

ويرى مراقبون أن هذه الاتفاقية تأتي في إطار إستراتيجية مغربية تهدف إلى المساهمة في تعزيز جاهزية القوات المسلحة في مناطق غرب إفريقيا والساحل والصحراء على وجه الخصوص، لمواجهة التحديات الأمنية، في وقت تولي فيه المملكة أهمية بالغة لأمن المنطقة التي تعتبرها حيوية، في إطار التزامها بعمقها الأفريقي.

وتتيح هذه الاتفاقيات باعتبارها تتضمن التدريب وتنسيق التعاون الاستخباراتي وتبادل الخبرات في المجال العسكري، للدول الأفريقية الاستفادة من الخبرة التي راكمها المغرب في مجال تطوير جيشه وتدريب عناصره وتسليحه بأحدث أنواع الأسلحة، فيما تمضي المملكة بثبات على طريق توطين صناعة دفاعية ضمن مساعيها لتحقيق الاكفتاء الذاتي.

والثلاثاء أدى الوزير المنتدب لدى رئاسة الكاميرون المكلف بالدفاع  جوزيف بيتي أسومو على رأس وفد رفيع زيارة إلى المغرب، تم خلالها توقيع اتفاقية تعاون في مجالات التكوين والتدريب والتمارين العسكرية والصحة والمساعدة التقنية، وفق وكالة المغرب العربي للأنباء.

وشدد الوزير الكاميروني على أن بلاده تولي أهمية بالغة للشراكة مع المغربية، مشيدا بمبادرات التعاون جنوب – جنوب والمبادرات الإقليمية لصالح القارة الإفريقية، التي تم إطلاقها بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وكان المغرب ومالي قد وقعا في ختام اللجنة العسكرية المشتركة التي انعقدت في 17 فبراير/شباط الماضي اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري، بالإضافة إلى الاتفاق على وضع خطة عمل شاملة تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون الاستراتيجي في المجالات الأمنية والدفاعية.

وتعكس هذه الاتفاقيات قناعة المغرب بأن إخراج دول المنطقة من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الرفاه لشعوبها يحتم تحقيق الأمن والاستقرار بما يشمل التصدي للمخاطر الإرهابية. 

وعزز المغرب طيلة الأعوام الماضية شراكاته مع الدول الأفريقية في إطار حرصه على إعطاء دفعة قوية للمسار التنموي في المنطقة، كما كان سباقا في مد يد العون للبلدان التي واجهت أزمات اقتصادية واجتماعية من خلال دعمها سواء في إطار برامج تعاون ثنائي أو المساعدات المالية.

وكان الملك محمد السادس قد شدد خلال الدورة الرابعة للقمة الافريقية الأوروبية في بروكسيل عام 2014 على أن “الأمن والاستقرار يشكلان أولوية مركزية”، مؤكدا أن “الشراكة التي تجمعنا أصبحت جزءا لا يتجزأ من مختلف التحركات والإستراتيجيات التي يتم تبنيها محليا وإقليميا ودوليا من أجل إضفاء قيمة مضافة والمساهمة في نشر السلم والسلام داخل الفضاء المشترك الذي نعيش فيه في إطار الاحترام التام لسيادة كل بلد ووحدته الوطنية والترابي”.

ويرى محللون من بينهم سعيد بركنان أن “تعزيز التعاون العسكري بين المغرب ودول المنطقة يبعث رسائل قوية للقوى العظمى والدول الإفريقية الأخرى، مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا، مفادها أن الأمر يتعلق بضبط المجال الحيوي لغرب إفريقيا ودول الساحل جنوب الصحراء التي يجب مساعدتها أمنيا واقتصاديا”، وفق موقع “هيسبريس” المغربي.

وبحسب المصدر نفسه فإن المغرب يسعى إلى إنشاء تكتلات عسكرية لمواجهة المشاكل التي تهدد إفريقيا بشكل جماعي، وهو الطرح الذي أصبح يدافع عنه داخل القارة، إذ يعتبر أن انعدام التعاون والعمل بشكل فردي حالا دون تحقيق التنمية في المنطقة.

بدوره أكد جواد القسمي الباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية في تصريح لـ”هيسبريس” أن “توسع المغرب في تعزيز علاقاته السياسية والعسكرية مع دول غرب إفريقيا يعد جزءًا من إستراتيجية أوسع ترمي إلى تعزيز نفوذه الإقليمي وتحقيق مصالحه الإستراتيجية”، مضيفا أن “أهمية غرب إفريقيا في السياسة الخارجية المغربية بجميع تمظهراتها، ومنها الشراكات والتعاون في المجال العسكري، تنبني على جملة من العوامل من بينها الموقع الإستراتيجي لدول المنطقة”.

وأوضح أن “خبرة القوات الأمنية والعسكرية المغربية في التعاطي مع مختلف التحديات، إلى جانب العلاقات الراسحة التي تجمع المغرب بدول المنطقة، تفسر في جزء كبير منها توجه الرباط إلى تقوية الشراكات العسكرية مع هذه الدول”.