الرباط – دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تسريع استكمال تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، المشروع الذي يمنح صلاحيات للمحافظات، مشددا على ضرورة اعتماد مقاربة شاملة في هذا المجال، فيما تنبع هذه التوجيهات من حرص ملكي على أن تلعب كافة الأقاليم بما فيها الصحراء المغربية دورا بارزا في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة. 

وقال في رسالة وجهها إلى المشاركين في المناظرة الثانية للجهوية المتقدمة التي تنعقد اليوم الجمعة وتتواصل غدا السبت في مدينة طنجة “إذا كانت الولاية الانتدابية الأولى قد تزامنت مع إحداث وتفعيل مختلف هياكل مجالس الجهات واستكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية وكذلك اعتماد أولى وثائق التخطيط وبرامج التنمية، فضلا عن إصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، فإن الولاية الحالية تقتضي المرور إلى السرعة القصوى من أجل التجسيد الفعلي والناجع لهذا الورش المهيكل على أرض الواقع”، وفق موقع “مدار 21” المغربي.

وتعكس إسراتيجية الجهوية المتقدمة طموح المغرب إلى إرساء الديمقراطية المحلية، في إطار تجربة فريدة من نوعها تهدف إلى إشراك أقاليم المملكة في مسيرة  التنمية البشرية المستدامة المندمجة بما يتلاءم مع خصوصياتها.

وأكد العاهل المغربي أن “البعد الإستراتيجي لمسار الجهوية المتقدمة يستدعي المزيد من انخراط كافة الفاعلين في مسلسل للتشاور والحوار البناء بما ينسجم مع منطق التدرج والتطور في التنزيل الكامل لهذا الورش، وخاصة فيما يتعلق بتدقيق وتحديد وتملك الاختصاصات وممارستها بشكل فعال، من أجل رفع التحديات التي أفرزتها الممارسة العملية”.

ويمنح المشروع المغربي صلاحيات للجهات تتيح لها توظيف مواردها الطبيعية ويحفزها على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل وتحسين القدرات التدبيرية للموارد البشرية وتكوينها، ما يمنحها الاستقلالية المالية والتدبيرية.

وسلطت رسالة الملك محمد السادس الضوء على سبعة تحديات الكبرى يتصدرها  تحدي الأجرأة الفعلية للميثاق الوطني للاتمركز الإداري، مذكرا بتوجيهاته بتعبئة كل الطاقات والانخراط الفعلي لكافة القطاعات الوزارية في تفعيل هذا الميثاق، عبر التسريع من وتيرة إعداد التصاميم المديرية للاتمركز الإداري، مشددا على ضرورة أن “تكون مبنية على نقل فعلي للاختصاصات الوظيفية والصلاحيات التقريرية إلى المستوى الجهوي”.

وأشار إلى تأخر غالبية القطاعات الوزارية في التفعيل الحقيقي لورش اللاتمركز الإداري، لافتا إلى بعض النقائص لا سيما في مجال الاختصاصات ذات الأولوية المتعلقة بالاستثمار.

وأوضح أن “هذا التأخير من شأنه تعقيد الإجراءات الإدارية للاستثمار وعدم تمكين المستثمرين من إنجازها في ظروف ملائمة”.

وكشف أن التحدي الثاني يتمثل في “تدقيق وتفعيل اختصاصات الجماعات الترابية لاسيما منها المجالس الجهوية”، معتبرا أنه “من الشروط الأساسية للتفعيل الحقيقي لورش الجهوية المتقدمة والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد”، مشيرا إلى أنه لم يتحقق بعد على الوجه المطلوب رغم الجهود المبذولة.

ودعا إلى “اعتماد مقاربة شاملة تضطلع فيها كل من القطاعات الوزارية المعنية والجماعات الترابية بمسؤولياتها الكاملة بغية تحقيق الأهداف المتوخاة من تدقيق الاختصاصات الذي يعتبر مدخلا أساسيا للمرور إلى مرحلة التفعيل الكامل”.

ولفت إلى أن تنزيل ورش الجهوية المتقدمة يهدف إلى “تعزيز الديمقراطية التشاركية على المستوى الجهوي والمحلي تنفيذا لمقتضيات دستور المملكة، وهو ما يقتضي تفعيل إشراك المواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني في عملية صياغة وإعداد وتنفيذ ومراقبة وتقييم السياسات العمومية المتخذة بمعية المجالس المنتخبة، لبلوغ الأهداف المتوخاة منها”.

وفي ما يتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة في مجال تدبير الشأن الترابي حثّ العاهل المغربي على “القطع مع الأنماط التقليدية للتدبير من خلال إقرار واعتماد آليات الحكامة والديمقراطية والمشروعية والفعالية”.

وشدد على أن الضرورة تستوجب “تتزيز مبادئ التخليق ومحاربة الفساد، من خلال تطوير فلسفة الرقابة والمحاسبة”.

ووجّه الجماعات الترابية والسلطات المسؤولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني بتكثيف الجهود لتنفيذ إستراتيجيات طموحة لتعزيز الجاذبية مع مراعاة خصوصيات كل جهة.

وشدد على أن “الجهات المغربية قادرة على بناء مجالات ترابية أكثر قدرة على مواجهة التغيرات والصمود في وجه الأزمات وعلى مجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية، في حال قامت بإدماج استراتيجية تدبير المخاطر على نحو كامل ضمن برامجها التنموية”.

وتطرق إلى الإشكاليات والمخاطر التي تعيق جهود التنمية في جهات المملكة، ومن بينها “تدبير أزمة الإجهاد المائي وتطوير منظومة النقل والتنقل والانخراط في مسار التحول الرقمي”.

وقال إن “إشكالية الإجهاد المائي تسائل كافة المعنيين، بما في ذلك الجهات والجماعات الترابية، المطالبين بالتعامل مع هذا المعطى، بكل ما يقتضيه ذلك من جدية وتظافر للجهود”.

وفي ما يتعلق بتطوير منظومة النقل والتنقل كشف أن هذا القطاع سيعرف خلال السنوات القليلة المقبلة تطورا بوتيرة متسارعة، نظرا للدينامية المتنامية لمكانة المملكة كقطب جهوي جاذب للاستثمارات، وللأوراش الكبرى التي تم إطلاقها في إطار استعدادات البلاد لتنظيم كأس العالم 2030.

وتشهد المملكة تحولات كبرى في مجال البنية التحتية استعدادا للحدث الرياضي الدولي، فيما تحولت البلاد إلى ورشة كبرى للعديد من المشاريع من بينها تأهيل الملاعب وتوسعة المطارات بهدف رفع طاقة استيعابها للمسافرين إلى 80 مليون مسافر سنويا.

وقال الملك محمد السادس “اعتبارا للتحديات الكبرى التي تواجه المغرب في بداية الألفية الثالثة، والطموحات والأهداف الإستراتيجية التي حددتها الدولة، أصبح تطوير منظومة للنقل تتمتع بالشمولية والاستدامة مطلبا أساسيا لتحقيق التنمية الترابية المندمجة، ومدخلا رئيسا لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية على المستوى الترابي”، مشددا على أن “تحقيق هذا الهدف يستوجب مساهمة الجهات والجماعات الترابية”

وطالب المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بـ”الخروج بخارطة طريق واضحة المعالم ومتوافق بشأنها، تتيح اعتماد توجهات استراتيجية للمرحلة القادمة”.