واشنطن – ترتبط الشوكولاتة في الاذهان برمزية الحب، خاصةً في يوم الفالنتاين، لكنها اليوم باتت تعكس جانبًا أقل رومانسية: تغير المناخ.

فقد كشفت تقارير حديثة أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر سلبًا على زراعة الكاكاو، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.

تشير الأبحاث إلى أن الاحترار العالمي يدفع بدرجات الحرارة إلى ما هو أبعد من النطاق المثالي لنمو الكاكاو، خاصة خلال مواسم الحصاد الرئيسية في البلدان المنتجة، مثل كوت ديفوار، غانا، الكاميرون، ونيجيريا، والتي تنتج حوالي 70 بالمئة من كاكاو العالم. تحتاج أشجار الكاكاو إلى بيئة استوائية ذات رطوبة عالية، أمطار وفيرة، وتربة غنية بالنيتروجين. ولكن عندما تتجاوز الحرارة 32 درجة مئوية، تعاني النباتات من إجهاد مائي يضعف الإنتاج ويقلل من جودة الحبوب.

في العام الماضي، شهدت معظم مناطق زراعة الكاكاو في غرب إفريقيا أكثر من ستة أسابيع بدرجات حرارة أعلى من هذا الحد، مما تسبب في حصاد كارثي.

ووجد الباحثون أن التغير المناخي زاد من عدد الأيام ذات الحرارة المرتفعة بمعدل أسبوعين إلى أربعة أسابيع سنويًا منذ 2015، وهو ما يؤثر على إزهار الأشجار وإنتاج الحبوب. كما يؤثر تغير المناخ على أنماط الأمطار، ويزيد من فترات الجفاف، وينشر أمراضًا فتاكة مثل تعفن الثمار، مما يفاقم من تدهور التربة ويقلص المحاصيل.

في غانا، كشف تقرير حديث عن انخفاض معدل التلقيح وارتفاع درجات الحرارة عن المتوسط، مما أدى إلى تراجع المحاصيل. ومع ذلك، لا يزال من الصعب تحديد التأثير الدقيق لتغير المناخ على الإنتاج والأسعار، حيث لا تزال العلاقة بين هذه العوامل غير واضحة تمامًا. ويقول الباحثون إن ظاهرة “إل نينيو” قد تكون ساهمت أيضًا في ضعف الحصاد، لكن لم يتم تحديد مدى تأثيرها بشكل دقيق.

إيمانويل إيساه-منساه، وهو مزارع كاكاو في غانا، وصف تغير المناخ بأنه “أحد أخطر المشاكل التي تهدد الإنتاج في غرب إفريقيا”، مشيرًا إلى أن الجفاف تسبب في فقدان 60 بالمئة من محاصيله، مما أدى إلى انخفاض حاد في الدخل لديه ولدى زملائه المزارعين. وقد أدى هذا التراجع إلى ارتفاع أسعار الكاكاو عالميًا بنسبة 14٪ في موسم 2023-2024، مما جعل أسعار الشوكولاتة تقفز بشكل غير مسبوق، حيث سجلت أسعار الكاكاو في الأسواق العالمية رقمًا قياسيًا لم يُشهد منذ 47 عامًا.

كات كريمر، مستشارة سياسات المناخ ومؤلفة مشاركة في تقرير صادر عن منظمة “كريستيان إيد”، حذرت من أن الشوكولاتة ستكون في خطر متزايد ما لم يتم اتخاذ إجراءات جدية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.

وقالت: “على عشاق الشوكولاتة الضغط على الشركات والحكومات لخفض الانبعاثات، وإلا فإن إمدادات الشوكولاتة ستظل معرضة للخطر بفعل تغير المناخ”.

تداعيات هذه الأزمة تتجاوز قطاع الشوكولاتة، إذ يُستخدم الكاكاو في صناعة مستحضرات التجميل والأدوية، وهي صناعات تعتمد على إمدادات مستقرة من هذه المادة الخام. في الولايات المتحدة وحدها، يتم استيراد شوكولاتة بقيمة 2.8 مليار دولار سنويًا، أي أكثر من 10٪ من الإمدادات العالمية. وتشير بيانات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى أن أسعار الكاكاو العالمية ارتفعت بنسبة 144٪ في ديسمبر 2024، مما أدى إلى تضاعف الأسعار مقارنة بالعام السابق.

ورغم هذه الزيادات، فإن المزارعين نادرًا ما يستفيدون منها. جوزفين جورج فرانسيس، مزارعة كاكاو وقهوة من ليبيريا، أكدت أن المزارعين في غرب إفريقيا يتكبدون خسائر بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الناتجة عن تغير المناخ، قائلة: “نحتاج إلى نهج جديد يركز على الاستدامة ويدعم المزارعين، لأننا لا نجني أي فوائد من ارتفاع الأسعار العالمية”.

لا يقتصر التهديد على الكاكاو فحسب، إذ شهد السكر أيضًا ارتفاعًا حادًا في أسعاره نتيجة لتغير المناخ الذي أثّر سلبًا على إنتاج قصب السكر عالميًا. ويقول الاقتصاديون إن تغير المناخ لا يؤثر فقط على كمية إنتاج الكاكاو، بل أيضًا على جودة المكونات المستخدمة في صناعة الشوكولاتة، مما يدفع بعض الشركات إلى تقليل نسبة الكاكاو في منتجاتها أو استبداله بمكونات أخرى.

بعض الشركات الكبرى مثل “مارس” و”هيرشي” بدأت بالفعل في تقليل نسبة الكاكاو في منتجاتها، أو تقديم أنواع جديدة لا تعتمد عليه. ومع استمرار ارتفاع الأسعار، من المتوقع أن ينخفض الطلب على الشوكولاتة، وهو اتجاه قد لا يتمكن حتى عيد الفالنتاين من تغييره.