طهران – أقال البرلمان الإيراني الأحد وزير المال عبدالناصر همتي بعد بدء إجراءات حجب الثقة عنه بسبب طريقة معالجته أزمة معدل التضخم العالي وتراجع سعر صرف العملة الوطنية على ما ذكر التلفزيون العام، غير أن أسباب انهيار قيمة العملة الوطنية الحقيقية أكبر من قدرة وزير على معالجتها، فهي تأتي في ظل تغيرات اقليمية ودولية انعكست بشكل مباشر على إيران وتسببت بأزمة سياسية واقتصادية خانقة.

على رأس التغيرات فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية ثانية وسقوط الرئيس السوري بشار الأسد الحليف الأساسي لإيران، ما تسبب بعجز النظام عن التعايش مع التوترات الإقليمية الأخيرة وإيجاد حلول مستدامة لأزمة البلاد الاقتصادية.

وعلى الرغم من تضرر العملة الايرانية من العقوبات الغربية ولا سيما الأميركية المفروضة على طهران منذ عقود، إلا أن هذا التراجع المدوي يؤكّد سوء صناعة القرار في الجمهورية الاسلامية والضعف الهيكلي للاقتصاد الإيراني، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة على الخروج من هذه الأزمة منذ سنوات عديدة.

وفي 8 فبراير/شباط 2025، وصل الريال الإيراني أدنى مستوياته لا سيما بعد توقيع الرئيس الأميركي على قرار يقضي بخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، مسجلا 850 ألف ريال للدولار الواحد.

وبموجب الدستور الإيراني، تصبح إقالة همتي سارية المفعول على الفور، مع تعيين قائم بأعمال الوزير حتى تختار الحكومة بديلا.

وأضرت العقوبات بالاقتصاد الإيراني على خلفية برنامجه النووي، مع تفاقم التضخم منذ انسحاب واشنطن العام 2018 من الاتفاق النووي المبرم العام 2015، بينما أعاد ترامب إحياء سياسته المتمثلة بممارسة “ضغوط قصوى” وتشديد القيود على ايران، مما أثقل كاهل الإيرانيين.

وزادت العديد من الأخطاء السياسية من حدة سقوط العملة الايرانية لسنوات متتالية من أبرزها المغالاة في سعر الريال بنسبة 100 في المئة منذ 2012، وهو ما ألحق ضررا واسعا بالصادرات غير النفطية والعمالة.

ويرى خبراء في الاقتصاد أن سوق الصرف الأجنبي الإيراني يحتاج إلى فهم وفق شروطه الخاصة، من أجل تجنب الوقوع في الخطأ المعتاد بمساواة انخفاض قيمة الريال في السوق الحرة بالانهيار الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر.

وتعكس الأزمة تصاعد عزلة إيران الاقتصادية خاصة في ظل التوترات الإقليمية الأخيرة وأزمة الطاقة المتفاقمة، إذ كشفت صحيفة “شرق” الحكومية في طهران بأن حصة البلاد من التجارة العالمية انخفضت من 2.2 في المئة إلى 0.02 في المئة فقط، ما يؤكّد خروج الاقتصاد الإيراني من نظام الاقتصاد العالمي.

وأشارت الصحيفة الى أن قطاع النفط والغاز بحاجة إلى استثمارات سنوية بقيمة 200 مليار دولار للحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي، لكن في ظل العقوبات المفروضة وسوء الإدارة، فإن تأمين هذه الاستثمارات بات مستحيلًا.

ويرى مراقبون أن عجز النظام عن احتواء الأزمة يعزز احتمالية اندلاع موجات احتجاجية جديدة، حيث تحوّل تدهور الوضع الاقتصادي إلى أزمة سياسية واجتماعية كبرى من شأنها أن تهدد استقرار النظام الإيراني بشكل غير مسبوق.

ويواجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ووزير الاقتصاد في حكومته انتقادات واسعة حول أدائهم الاقتصادي الضعيف وصمتهم تجاه السقوط الحر للقيمة العملة في ايران، في ظل غياب إصلاحات اقتصادية هيكلية ومؤسسية .

وتعالت الأصوات حتى من داخل النظام نفسه لتحذر من التداعيات الأمنية هذا الانهيار، حيث أكد النائب السابق في البرلمان الإيراني لطف‌الله سیاهکلی أن الأزمة الاقتصادية باتت أمرا محتوما “مع استمرار ارتفاع سعر الدولار وعدم القدرة على السيطرة عليه، مضيفا “للأسف، إدارتنا للأزمات دائمًا ما تكون رد فعل مؤقتًا. فعندما تحدث كارثة، نوجه جميع الموارد إليها، ولكن بعد شهرين نتركها دون حلول جذرية”، وفق موقع منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.