واشنطن – على عكس ما نعتقد، يبدو أن عقولنا ليست سريعة كما كنا نتصور، حيث أظهرت الأبحاث أن أدمغتنا تعالج المعلومات بسرعة تبلغ 10 بتات في الثانية فقط، ما يثير العديد من التساؤلات وقد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في العديد من مجالات علوم الأعصاب.

وأثارت الدراسات في مجال واجهات الدماغ-الكمبيوتر التي تهدف جزئيًا إلى زيادة سرعة معالجة الأفكار، انتباه عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لتسلا وسبيس إكس، وغيرهما، كما تمت مناقشته في مقال استقصائي سابق. وتوصل العلماء إلى أن هذا البطء يعود إلى طريقة معالجة الدماغ للأفكار التي تتم بشكل تسلسلي مما يخلق ازدحامًا في عملية المعالجة.

وأظهرت دراسة في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أن الجهاز العصبي المحيطي يعمل على جمع البيانات الحسية بسرعات تصل إلى غيغابتات في الثانية، ما يجعل أداء الدماغ يبدو ضئيلاً مقارنةً بهذه السرعات الهائلة.

ويقول ماركوس مايسر أحد المشاركين في الدراسة وعالم الأعصاب في المعهد “الدماغ البشري أقل إثارة للإعجاب مما قد نتصور”، موضحا “أنه بطيء للغاية عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات، وهو أبطأ بشكل مثير للسخرية مقارنة بأي جهاز نتفاعل معه”.

ويدافع الباحثون في الورقة البحثية التي نُشرت مؤخرًا في مجلة الخلايا العصبية “Neuron، عن فكرة أن الدماغ رغم ثرائه البصري وإمكانات الذاكرة الفوتوغرافية، يعمل بسرعات محدودة نادرا ما تتجاوز عشرات البتات في الثانية.

واستخدم فريق كالتيك تقنيات من نظرية المعلومات لتحليل كمية كبيرة من الأدبيات العلمية حول السلوكيات الإدراكية البشرية مثل القراءة والكتابة ولعب ألعاب الفيديو وحل مكعب روبيك، بالإضافة الى الاعتماد على عقود من الأبحاث التي أظهرت أن البشر لا يمكنهم إدراك سوى جزء صغير من المعلومات التي تأتي من أنظمتهم الحسية.

ووفقًا لحسابات الباحثين، فإن سرعة العمليات الفكرية البشرية تبلغ عادةً حوالي 10 بتات في الثانية، وهي السرعة نفسها تقريبًا لضغطات المفاتيح على لوحة المفاتيح أو إجراء محادثة. بالمقابل، تعالج أنظمتنا الحسية المعلومات بسرعة مليار بت في الثانية، أي أسرع بمئة مليون مرة من الأفكار، إذ أن إجمالي كمية المعلومات التي يمكن للإنسان تعلمها خلال حياته بالكامل يمكن تخزينها في مفتاح USB بسيط.

ويقول مايسر “إنه رقم منخفض للغاية. ففي كل لحظة، نستخرج فقط 10 بتات من بين مليار من المعلومات التي تلتقطها حواسنا، ونستخدمها لفهم العالم من حولنا واتخاذ القرارات”.

ويشير فريق البحث إلى أن هناك فجوة كبيرة بين معالجة الدماغ للمنبهات الخارجية (العقل الخارجي) وحساباته الداخلية (العقل الداخلي)، موضحا أن “الفهم الحالي لا يتناسب مع الموارد الهائلة التي يمتلكها الدماغ، ولم تظهر أي نظرية قابلة للتطبيق تفسر هذا الاختناق العصبي الذي يفرض التشغيل الفردي.”

مع تقدم التكنولوجيا، قد نصل إلى مرحلة يتم فيها ربط المعالجة الفردية للدماغ بالمعالجة المتوازية لأجهزة الكمبيوتر، ما يساعد في فهم كيفية تطور عقولنا بشكل أفضل، ويمنحنا القدرة على تحسين الذكاء الاصطناعي ليحاكي تصميمنا العصبي الفريد.