واشنطن – أوضحت دراسة حديثة باستخدام نماذج مختبرية من “أدمغة صغيرة” مصنوعة من الخلايا الجذعية أن الإصابات الرأس المتكررة  سواء الناتجة عن ضربات قوية أو ارتجاجات طفيفة، قد تُلحق ضرراً كبيراً بالجهاز المناعي، مما يؤدي إلى إعادة تنشيط فيروسات خاملة داخل الجسم مثل فيروس “الهربس البسيط-1″، مما يؤدي إلى التهابات وتلف طويل الأمد وهو ما قد يساهم في الإصابة بأمراض التنكس العصبي كالزهايمر.

ووفقاً لما نقله موقع “ساينس آليرت” العلمي، كشفت الدراسة التي أُجريت باستخدام نماذج مختبرية ثلاثية الأبعاد لأنسجة الدماغ أن فيروس الهربس البسيط، الذي يظل خاملاً بفضل الجهاز المناعي، يمكن أن ينشط مجدداً عند تعرّض أنسجة الدماغ لصدمة أو إصابة.

وصرّحت مهندسة الطب الحيوي دانا كيرنز من جامعة تافتس الأميركية قائلة: “تساءلنا، ماذا يحدث إذا تعرضت أنسجة الدماغ لاضطراب جسدي يشبه الارتجاج؟ هل يمكن أن يستيقظ فيروس الهربس البسيط-1 ويبدأ عملية التنكس العصبي؟”

بعد مرور أسبوع من الإصابة، لاحظ الباحثون ظهور كتل وتشابكات بروتينية في أنسجة الدماغ، وهي علامات مميزة لأمراض التنكس العصبي مثل الزهايمر. كما رصدوا تلفًا في بعض خلايا الدماغ يتوافق مع الالتهاب العصبي، إلى جانب زيادات ملحوظة في نشاط الخلايا المناعية المؤيدة للالتهابات، وفقاً لتقرير نشره موقع “ساينس أليرت”.

وأضافت كيرنز: “وجدنا أن استجابة للإصابة الجسدية، يظهر لدى المصابين بفيروس الهربس البسيط الكامن انخفاض كبير في إفراز الناقل العصبي الغلوتامات، إلى جانب زيادة كبيرة في الخلايا المناعية المؤيدة للالتهابات. كما رُصدت لديهم احتمالية أعلى لتكوين كتل وتشابكات بروتينية في أنسجة الدماغ، وهي علامات مميزة لأمراض التنكس العصبي مثل الزهايمر”.

وأشارت الدراسة، التي نُشرت في مجلة “ساينس سيغنالينغ”، إلى أن إصابة الدماغ الرضحية تسببت في إعادة تنشيط فيروس الهربس البسيط الكامن في النماذج المختبرية. وأكد الباحثون أن الإصابات المتكررة تُفاقم الأضرار بشكل أكبر مقارنة بالإصابة الواحدة.

وأشار الفريق إلى أن فيروس الهربس البسيط، الذي يعد شائعاً للغاية، قد يكون عاملاً مساهماً في تطور الخرف. وشددوا على ضرورة إجراء دراسات مستقبلية لاستكشاف طرق للحد من الأضرار الناتجة عن إصابات الرأس، مثل استخدام علاجات مضادة للالتهابات والفيروسات فور الإصابة. وأوضحوا أن هذه التدابير قد تمنع إعادة تنشيط فيروس الهربس البسيط في الدماغ، مما يقلل من احتمالية تطور مرض الزهايمر في المستقبل.

كما أظهرت دراسة سابقة أُجريت في عام 2008 أن جينات فيروس الهربس البسيط-1 كانت موجودة في 90% من لويحات البروتين التي تم تحليلها في أدمغة مرضى الزهايمر بعد الوفاة، مع تركز غالبية الحمض النووي الفيروسي داخل هذه اللويحات.

وفي سياق تحقيق أعمق حول العلاقة بين إصابات الدماغ وإعادة تنشيط فيروس الهربس البسيط-1، استخدم الباحثون شرائح دماغية معزولة في مختبرات جامعة تافتس وأكسفورد. وأظهرت النتائج أن الإصابات الجسدية أدت إلى انخفاض كبير في إفراز الناقل العصبي الغلوتامات لدى المصابين بعدوى كامنة للفيروس، وهو ما يعكس تأثيرات مباشرة على وظائف الدماغ.