بارك سيتي (الولايات المتحدة) – رأت المخرجة شيرين دعيبس بمناسبة عرض فيلمها “اللي باقي منك” (All That’s Left of You) ضمن مهرجان سندانس السينمائي الأميركي، وهو بمثابة لوحة تاريخية عن عائلة طُردت من أرضها عام 1948، أن “من الصعب جدا صنع فيلم عموما، ولكن من الصعب أكثر صنع فيلم فلسطيني”.

وقالت مديرة البرمجة كيم يوتاني إن هذا الوثائقي “مميز حقا”، متابعة “لم أشاهد فيلما عن عائلة فلسطينية يروى بهذه الطريقة”.

ويتناول هذا العمل، وهو أحد فيلمين فلسطينيين مدرجين في برنامج النسخة الحالية من مهرجان سندانس للأفلام المستقلة، ثلاثة أجيال من عائلة واحدة أجبرت على مغادرة مدينتها يافا عند إنشاء دولة إسرائيل للاستقرار في الضفة الغربية.

وتؤكد المخرجة الأميركية الفلسطينية التي تؤدي في فيلمها دور أم تواجه خيارا صعبا جدا بعد إصابة ابنها خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1988، أنه “من الصعب إيجاد تمويل لإنجاز هذه الأفلام… أعتقد أن الناس ربما كانوا خائفين من رواية هذه القصة”.

وبميزانية تتراوح بين خمسة وثمانية ملايين دولار، يُعدّ فيلم “اللي باقي منك” مثالا نادرا لفيلم عن القضية الفلسطينية يطلَق بهذا الزخم في الغرب.

أما الفيلم الوثائقي “لا أرض أخرى” للفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام والذي رُشّح أخيرا لنيل أوسكار ويتناول موضوع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، فلم يجد موزعا أميركيا حتى اليوم.

وفي فيلم شيرين دعيبس، تستند مشاهد عدة إلى تجارب عاشتها عائلتها بالفعل، وهو ما منح العمل طابعا حميميا.

ومن هذه المشاهد ما يظهر أبا يتعرّض للإهانة من جندي إسرائيلي أمام ابنه، مما يحدث خللا في العلاقة بين الابن وأبيه لا يصلحه الزمن مطلقا.

وتكشف دعيبس التي كانت تذهب إلى الضفة الغربية عندما كانت طفلة “لقد رأيت والدي يُهان على الحدود أو عند نقاط التفتيش”، مضيفة “واجهَ الجنود الذين بدأوا بالصراخ عليه. كنت متأكدة من أنّهم سيقتلونه”.

وتؤكد دعيبس أن المقصود من فيلمها، الشخصي جدا بطبيعته والحساس بسبب موضوعه، ليس أن يكون عملا سياسيا، مع أنّها تدرك أنّه يترك انطباعا مماثلا.

وتقول لوكالة فرانس برس “لا يمكننا أن نروي قصصنا من دون الاضطرار للتطرق إلى مسائل سياسية”، مضيفة “لكن علينا أن نكون قادرين على أن نروي تجاربنا ونسرد قصصنا الشخصية والعائلية من دون الاضطرار إلى الرد على هجمات”، متابعة “لذا غالبا ما ينتهي بنا الأمر بالشعور بالخوف، أحيانا حتى قبل أن نروي القصة”.

وكانت المخرجة في الضفة الغربية المحتلة للتصوير عندما هاجمت حركة حماس الفلسطينية الأراضي الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدى إلى مقتل 1210 أشخاص، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية.

وردا على ذلك، شنت إسرائيل حملة عسكرية على الأراضي الفلسطينية خلف ما لا يقل عن 47317 شخصا معظمهم مدنيون من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.

وتقول المخرجة “تعيّن علينا المغادرة، كان من المحزن أن نضطر إلى ترك الطاقم الفلسطيني”، مضيفة “كان الجميع متحمسين جدا للعمل في هذا الفيلم التاريخي”.

وصُوّرت المشاهد التي يُفترض أنها تجري في وطنها الأم، في الأردن وقبرص واليونان.

والفيلم الفلسطيني الثاني الذي شهد مهرجان سندانس عرضا أول له هو “كو اكزيسنتس ماي آس” (Coexistence, My Ass) الذي يتناول الناشطة الإسرائيلية نوعم شوستر إلياسي التي أصبحت فكاهية تنتقد الهجوم العسكري المدمّر الذي شنته بلادها على الأراضي الفلسطينية.

وكانت نوعم قالت ممازحة لوكالة فرانس برس “كناشطة، بالكاد تمكّنت من التأثير بـ20 شخصا، لكن مع مقطع فيديو يسخر من الديكتاتوريين انتشر على نطاق واسع، أثّرت بعشرين مليونا”، مشيرة إلى أنها “متوترة” بشأن ردود الفعل المرتقبة للفيلم.

وترى مخرجة الفيلم الكندية أمبر فارس أنّ “قطاع السينما عليه أن يعيد النظر في ما يعرضه… لأن من الواضح أن هناك حاجة لهذا النوع من الأفلام، والناس يريدون مشاهدتها”.

وتشير دعيبس “لقد شهدنا تطورا خلال السنوات الأخيرة. بات الناس يدركون أنّ قصصنا غائبة بالفعل من الأفلام السائدة”.

وانطلق مهرجان سندانس السينمائي الأميركي المستقل في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري في وسط ولاية يوتا، في ظل حرائق لوس أنجلس المدمّرة والتي تأثر بها مباشرة عدد من الأسماء الهوليوودية.

وتبعد بارك سيتي وسولت ليك سيتي حيث سيتم حتى الثاني من فبراير/شباط المقبل عرض 88 فيلما تمثل 33 دولة وإقليما، أكثر من ألف كيلومتر عن المدينة الكبرى في كاليفورنيا.