الصالح سبورت : المغني السيئ الهابط بإرادته.. من هو نيجك جراديشار لاعب الأهلي الجديد؟

“كنت أبحث عن فريق يهاجم أكثر مما يدافع.. ولهذا اخترت…”

لا، هذا ليس تصريح نيجك جراديشار الأول بعد انتقاله إلى الأهلي، بل تفسيره لقرار يعتبره البعض تهورا جنونيا، بالهبوط من الدرجة الأولى إلى الثانية طواعية، قبل أن يعود إليها من الباب الكبير.

صفقة الأهلي المنتظرة.. لاعب طوله 187 سم ويجيد اللعب كمهاجم وجناح أيسر، وهذا يكفي لإخبارك أنه يتحلى بالسرعة والإمكانيات اللازمة للعب الكرات الرأسية.

خليط لا يتوافر كثيرا في نفس اللاعب، ويسهل الخروج منه بالمزيد من الاستنتاجات، مثل أن الأهلي لم يعُد الآن يحمل هم غياب وسام أبو علي، وفي الوقت ذاته يمكنهما اللعب معا سواء كمهاجم وجناح أو كثنائي هجومي إن تغيرت الخطة..

ربما يبدو الطرح منطقيا، ولكنه بُني على الحد الأدنى من المعلومات المتوافرة، إضافة لملخصات الفيديو التي تهدف لإبراز لحظات تألق اللاعب فقط وتغفل عما يفعله طوال الدقائق الـ 90، وبالتالي لا يصلح للاعتداد به من الأساس.

بكلمات أخرى.. لا يمكنك أن تكون رأيا حقيقيا مدعوما بالأدلة إن لم تكن متابعا جيدا للدوري المجري أو السلوفيني، وبالتالي سنترك ما لقيصر لقيصر ونحاول البحث عن إجابة فعلية للسؤال: من هو نيجك جراديشار؟

“حين تكون شابا.. يجب أن تلعب”

في نادي برافو، نشأ نيجك جراديشار وظهر في فريقه الأول للمرة الأولى في الدوري السلوفيني عام 2021، ولكن لم يكن يبدو أنه سيحظى بأدنى فرصة معه، وبالفعل لم يلعب بقميصه سوى مباراة واحدة، أو بالأحرى 60 دقيقة.

في ذلك الوقت التقى جراديشار البالغ من العمر 19 عاما، بزميل مخضرم عمره في تلك اللحظة ضعف عمره، يكبره بـ 19 عاما آخرين، هو لوكا زينكو نجم برافو.

وبالفعل، عمل جراديشار بالنصيحة وخرج معارا إلى بريسي لـ 4 أشهر لعب فيها 15 مباراة، ثم إلى روجاشكا الذي قضى معه 4 أشهر آخرين، وكانت مدة أكثر من كافية لإقناع روجاشكا بأن هذا اللاعب هو أمله في مستقبل أفضل، وإقناع اللاعب بأن هذا النادي هو ملاذه الأمثل.

“لوكا زينكو نصحني واستمعت له لم أندم على ذلك. لم أحصل على الفرصة في برافو ولذلك غادرت بحثا عن الدقائق والخبرة. كنت أبحث عن فريق يهاجم أكثر مما يدافع، ولذلك اخترت روجاشكا”.

وبالفعل في صيف 2022، في نفس صيف اعتزال لوكا زينكو، أتم جراديشار انتقاله النهائي إلى روجاشكا، وفي نفس الموسم، صار هداف فريقه ورابع هدافي الدرجة الثانية، وقاده لحصد اللقب والصعود إلى الدوري السلوفيني للمرة الأولى بعد 30 عاما على هبوطه.

“الدرجة الأولى هي خطوتي التالية وأعتقد أني جاهز. أريد اللعب وإثبات نفسي وسنرى ما سيحدث. إن كنت تلعب يمكنك أن تحظى بالثقة، وبدون اللعب يصبح ذلك صعبا”.

كلمات بسيطة بل وبديهية للغاية، ولكنها في حد ذاتها تفسر لنا كيف يفكر اللاعب الشاب، وكذلك كيف يفكر وكيله ديان كيفيرت..

كنتيجة طبيعية لهذا الموسم الرائع، بدأت العروض تتوالى لاستقطاب جوهرة الدرجة الثانية الصاعدة من أندية الدرجة الأولى، ولكن كيفيرت أغلق الباب مسبقًا في مارس 2023، قبل أن ينتهي الموسم حتى:

“قررنا أن نيجك يجب أن يبقى في روجاشكا حيث يشعر أنه أفضل ولديه كل الظروف المناسبة للتطور. أداؤه في النصف الأول من الموسم يؤكد ذلك. هذه هي البيئة الأمثل له”.

“هداف جيد.. غناؤه سيئ”

20 يناير 2024.. يمكنك أن تستنتج كيف سار النصف الأول من موسم جراديشار الأول في الدرجة الأولى، ففي هذا التاريخ خاض مباراته الدولية الأولى أيضا مع منتخب سلوفينيا، صحيح أنها الوحيدة حتى الآن، ولكنا لا تُنسى.

في هذه الليلة سجل جراديشار هدف فوز تاريخي لسلوفينيا، صحيح أنها مباراة ودية، ولكنه كان الفوز الأول أمام الولايات المتحدة في 3 مواجهات، بعد التعادل 2-2 في كأس العالم 2010، والخسارة 3-2 وديا في 2011.

ماتياس تيك مدرب منتخب سلوفينيا الذي منحه الفرصة كان سعيدا بما قدمه على أرض الملعب، صحيح أنه اعتبره في النهاية أصغر من أن يضمه لقائمة يورو 2024، ولكنه مدح قدراته الهجومية، عكس ما فعله مع قدراته الغنائية.. والسبب كان نشازه الواضح حين اضطر لغناء النشيد الوطني قبل بداية المباراة.

هذا الحدث كان كبيرا للغاية في روجاشكا، لدرجة أنه أصدر بيانا مفرطا في كل صيغ المبالغة، ليس لأن لاعبه لعب وسجل دوليا، بل لمجرد استدعائه.

جراديشار غادر مع المنتخب شابا يافعا لا يعرف إن كان سيلعب أم لا، ثم عاد بطلا متوجا في بلاده، لأيام قليلة، بل ربما لساعات، فقد كان التباين فجا بين سعادته مع منتخب سلوفينيا، وواقعه المؤسف في سلوفينيا نفسها.

صحيح أنه كان ثاني هدافي الدوري في هذه اللحظة، ولكن روجاشكا كان الأخير بفارق 6 نقاط عن أقرب من يسبقونه، الوضع كان في غاية الصعوبة، ولا يبدو أن أهداف نيجك ستكفي للخروج من هذه الورطة.

الموقف المأزوم في جدول الترتيب لم يكن مشكلة النادي الوحيدة بالمناسبة، فهناك هذا الداء المزمن.. لنجرب معا: ترى ما القاسم المشترك بين جميع أندية الدوري السلوفيني؟

“مليون يورو؟ هذا أكثر من ميزانيتنا السنوية”

أعلى قيمة سوقية في الدوري السلوفيني تبلغ 465 ألف يورو وفقا لموقع ترانسفير ماركت، وهذه ليست قيمة أغلى لاعب، بل القيمة الإجمالية لفريق أوليمبيا ليبوليانا.

فريق حُكم عليه بالهبوط عمليا ولم يصنع له التأهل إلى الدرجة الأولى هذا الفارق الذي يصنعه التأهل من “التشامبيونشيب” إلى “البريميرليج” في إنجلترا، وأخبار تستمر في الصحافة عن عرض يقارب مليون يورو من فريق إيطالي.. ما الناتج الذي سيخرج من هذه المعادلة؟ قطعا ليس تمسك هذا النادي بنجمه اليافع.

نينو إيفاي المدير الرياضي لنادي روجاشكا وجد نفسه منشغلا للغاية في الأيام الأخيرة من سوق الشتاء، بعد أن كشف جراديشار عن نفسه أمام هؤلاء الذين لا يتابعون الدوري السلوفيني، فحاول رفع المزاد وقال صراحة إن النادي سيكون سعيدا بعرض يصل إلى مليون يورو.

“لدينا طموح بالبقاء في الدوري، ولكننا مستعدين لبيعه إن أتانا العرض المناسب. مليون يورو رقم أكبر بمسافة من ميزانيتنا السنوية. هدفنا هو البقاء ولكن يجب أن نتصرف بمسؤولية تجاه ميزانية النادي، إن أتى عرض يسمح للنادي بفعل الكثير في العامين المقبلين مثلا، فلن يمكننا رفضه”.

لم يكُن هناك أي فريق إيطالي في النهاية، بل فيهيرفار المجري، ووفقا لترانسفير ماركت لم يكن هناك مليون يورو أيضا، بل 400 ألف فقط،ولكن بالنظر لقيمة روجاشكا السوقية المقدرة آنذاك بـ 143 ألف يورو.. هل يبدو مبلغ البيع هذا رقما صغيرا؟

المليون يورو نالها في النهاية فيهيرفار من الأهلي بعد استثمار ناجح، للاعب تذوق معه طعم المنافسات الأوروبية بخوض تصفيات دوري المؤتمر، ويحتل معه المركز السابع بمنأى عن منطقة الهبوط التي عاناها مع روجاشكا، بعد عام سجل فيه 9 أهداف وصنع 4 في 36 مباراة.

هنا وصلنا لختام ما نعرفه عن جراديشار.. الذي يحب اللعب لفريق يهاجم أكثر مما يدافع، ويقدس دقائق لعبه أكثر من نوع أو اسم أو حتى درجة الدوري الذي ينافس فيه، ولا يرحل لمجرد الرحيل، ولا يملك رهانا سيئا حتى الآن في مسيرته الكروية.