الصالح سبورت :
فليك حول برشلونة إلى فريق لا يرحم.. أسباب تجعله بطلًا لأوروبا
فليك حول برشلونة إلى فريق لا يرحم.. أسباب تجعله بطلًا لأوروبا
الصالح سبورت :
فليك حول برشلونة إلى فريق لا يرحم.. أسباب تجعله بطلًا لأوروبا
“الوحش الأسود”، لقب أطلقته الصحافة الكتالونية على بايرن ميونخ قبيل المواجهة السابقة بين برشلونة والنادي الألماني، خاصة وأن تاريخ المواجهات يرجح كفة البافاري بشدة، 11 فوزًا للبايرن مقابل انتصارين فقط للبارسا في آخر 15 مباراة، منهم ستة انتصارات متتالية، وذكرى مؤلمة لا تغيب عن الأذهان: ليلة الثامن من أغسطس 2020، حين اكتسح بايرن برشلونة بنتيجة 8-2، تلك الهزيمة المذلة كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الثورة في مدينة برشلونة، فبعد عام واحد فقط، استقال جوسيب ماريا بارتوميو من رئاسة النادي، فاتحًا الباب أمام انتخابات جديدة، جاءت بلابورتا على عرش الكتلان.
أبدى لابورتا إعجابه بالمدربين الألمان سريعًا، وفضل تعيين فليك في نهاية الأمر، خاصة بعد خسارته لقادة مشروعه واحدًا تلو الآخر، مثل جوردي كرويف، ولم يعد أمامه إلا عدة أوراق قليلة ومكشوفة على طاولة اللعب، وكان فليك، من وجهة نظره، السبيل الوحيد لكي لا تحرق الأوراق، ويضطر لدفع ثمن جنونه وتهوره المعتاد، ولكنه في الوقت نفسه، لم يكن يتصور التأثير الذي سيُحدثه فليك في مثل هذه الفترة القصيرة، لقد حفّز فريقًا مُخيّبًا للآمال، بقيادته الهادئة، ونجاحاته المتتالية بدءًا من تصدر الدوري وحتى الصعود إلى الدوري ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا، متخطيًا في منتصف الطريق فريقه السابق نفسه، بايرن ميونخ، في ليلة استطاع فيها ترويض “الوحش الأسود” برباعية مكتملة الأركان والمتعة.
لدرجة أن الحاسوب العملاق التابع لشركة “أوبتا” المتخصصة فى التحليل الرياضي توقع أن يكون نادى برشلونة هو المرشح الأوفر حظًا للتتويج بلقب دورى أبطال أوروبا هذا الموسم، حيث منحه نسبة 20.5% للفوز بالبطولة، فكيف حول الرجل فريقًا منهارًا إلى المرشح الأبرز للفوز بالبطولة القارية الأهم في ثوبها الجديد؟
View this post on Instagram
في الإعادة إفادة
في السنوات الأخيرة، كانت مغامرات برشلونة الأوروبية أشبه بسلسلة من الجروح التي يُلحقها الفريق بنفسه، لذا، عندما تلقى باو كوبارسي البطاقة الحمراء في الدقيقة 22 من مباراة الذهاب لدور الـ16 ضد نادي “بنفيكا”، اختلطت ذكريات الإخفاق السابقة مع الجروح التي لا تزال مفتوحة، وتوالت كشريط سينمائي أمام عيون كل مشجع لبرشلونة، خاصة وأنه نفس الملعب الذي تلقى عليه الهزيمة البافارية المذلة تحت قيادة فليك نفسه قبل سنوات عندما كان مدربًا لبايرن ميونخ وفاز على البارسا 8-2.
لكن للغرابة، كان برشلونة فريقًا مختلفًا هذه المرة، حيث أظهر مرونة وصمودًا نادرًا، وهو ما لم يُشهد منه منذ آخر لقب في دوري أبطال أوروبا عام 2015، لقد جمع بين القوة النفسية والذكاء التكتيكي، كما يتضح من تشكيلته غير التقليدية التي ظهرت في تحليل المباراة. هذه المرونة هي التي مكنت الفريق من تحويل المحنة إلى منحة، وإثبات أنه لا يزال قادرًا على المنافسة في الساحة الأوروبية، (كما هو موضح أدناه في لوحة معلومات المباراة ).
لم تكن هذه المرة الأولى التي يحاول فيها برشلونة إعادة تشكيل أسلوب لعبه تحت قيادة هانز فليك، فخلال فوزهم الكبير 4-1 على بايرن ميونخ في المرحلة الأولى من البطولة، قدم الفريق الكتالوني أداءً يُعتبر من أفضل ما قدمه هذا الموسم، وتخلى، للمرة الأولى، عن أسلوب الضغط العالي والهيمنة على الكرة، واعتمد بدلًا من ذلك على الرقابة اللصيقة ومصيدة التسلل، كما أنهى المباراة بنسبة استحواذ متواضعة بلغت 39%، مع معدل تمريرات لكل حركة دفاعية (PPDA) وصل إلى 16.1، مما يشير إلى أن الفريق فضّل الصبر والانتظار بدلًا من التسرع في استعادة الكرة في المناطق المتقدمة.
ولكنه في مواجهة بنفيكا، غير جلده تمامًا، حيث بدأ المباراة بضغط عالٍ وكثيف، وسجل معدل PPDA 7.7 في الدقائق الـ22 الأولى، كما ظهرت مصيدة التسلل بشكل واضح، خاصة في لحظة بارزة من الدقيقة 16، عندما حاول كريم أكتورك أوغلو، لاعب وسط بنفيكا، تمرير كرة بينية إلى فانجيليس بافليديس، بينما قفز إنيغو مارتينيز، لاعب دفاع برشلونة، في الاتجاه المعاكس، في محاولة ذكية منه لإيقاف تسلل بافليديس، هذا التغير في التكتيكات، والتلون كالحرباء مع كل مباراة، بعكس مدى مرونة برشلونة وقدرته على التكيف مع ظروف المباراة، وهو ما يظهر تطورًا ملحوظًا في أسلوب الفريق تحت قيادة فليك.
ثم فجأة، تحولت الطعنة التي أخذها برشلونة في صدره، إلى نقطة إرتكاز جيدة للفريق، حيث أدى طرد باو كوبارسي في منتصف الشوط الأول، إلى تغيير فلسفة لعب الفريق، بعدما دخل رونالد أرواخو بديلًا لداني أولمو، ومنذ تلك اللحظة، تراجع ضغط برشلونة (PPDA) إلى معدل 24.3، وفي حالة عدم الاستحواذ على الكرة، تحول برشلونة إلى تشكيلة 4-4-1، حيث انضم رافينيا ولامين يامال إلى بيدري وفرينكي دي يونغ في خط الوسط، بينما بقي روبرت ليفاندوفسكي في المقدمة كهدف وحيد لمعظم الهجمات المرتدة.
وعلى الرغم من أن البعض رأى أن أولمو كان أكثر فاعلية في المساحات الضيقة، إلا أن قرار الإبقاء على ليفاندوفسكي أثبت فائدته في الضغط على دفاع بنفيكا وخلق فرص هجومية، هذا التغيير التكتيكي لم يعزز فقط التوازن الدفاعي لبرشلونة، بل أعطى الفريق فرصة لإعادة تنظيم صفوفه والاستفادة من الهجمات المرتدة، مما أدى إلى تشكيل ضغط مستمر على خط دفاع بنفيكا.
أدى هذا التكتيك الدفاعي المحكم إلى إرباك لاعبي خط وسط بنفيكا، أوركان كوكو وفريدريك أورسنيس، حيث وجدا صعوبة في الحفاظ على الكرة في المناطق المتقدمة، كما أجبرهما هذا الضغط على التراجع إلى أطراف الملعب، بعيدًا عن مناطق الخطر، وبدلًا من محاولة اختراق دفاع برشلونة المتماسك، اضطر بنفيكا إلى اللعب حوله، في محاولة للبحث عن ثغرات في الأجناب، لكن حتى الكرات العالية لم تكن حلاً، خاصة مع تراجع خط دفاع برشلونة إلى الخلف، مما جعلها بالونات هواء غير فعالة، كما فشلت محاولات بنفيكا في اختراق منطقة الجزاء عبر التمريرات العرضية، حيث تفوق رونالد أرواخو، المدافع الذي يتمتع بسرعة رد الفعل، في التعامل مع هذه المواقف، إضافة إلى ذلك، كان إنيغو مارتينيز حاضرًا بقوة، حيث اعترض العديد من الكرات بذكاء وحسم.
هذا الأداء الدفاعي المتكامل لبرشلونة لم يوقف فقط هجمات بنفيكا، بل أعطى الفريق الكتالوني الثقة للتحول إلى الهجمات المرتدة، مما جعل المباراة تحت سيطرته تمامًا رغم اللعب بعشرة لاعبين.
وفي الشوط الثاني، تغير التشكيل إلى 5-3-1 حيث انتقل رافينيا إلى مركز الظهير الأيسر، وهذا يعني أن بيدري ودي يونج كان عليهما تغطية مساحة أكبر، لكنهما كانا على قدر المهمة، حيث فازا بـ 10 ثنائيات هوائية، ونجحا في استعادة 15 كرة كاملة، كما يتضح من خلال الإحصائيات الدفاعية لبيدري تحديدًا.
تحولات سريعة
عندما كثف بنفيكا هجماته على الجهة اليسرى في بداية الشوط الثاني، خاصة من جهة الظهير الأيسر ألفارو كاريراس الذي تسبب في إزعاج كبير لجول كوندي، أثبت هانسي فليك مرة أخرى براعته التكتيكية في إدارة المباراة، حيث اتخذ قرارًا سريعًا باستبدال لامين يامال بفيران توريس، مع نقل رافينيا إلى الجناح الأيمن. هذا التغيير الذكي قلل من تأثير كاريراس، بينما تولى توريس مهام الظهير الأيسر ببراعة، ولم يوقف هذا التعديل تهديدات بنفيكا فقط، بل سمح لرافينيا بالتقدم للأمام والمشاركة بشكل أكبر في الهجوم، وكانت النتيجة المباشرة لذلك هي الهدف الوحيد في مباراة الذهاب، الذي جاء بعد أن اعترض رافينيا تمريرة خاطئة من قلب دفاع بنفيكا أنطونيو سيلفا.
أدركنا أننا لا نستطيع اللعب بشكل مفتوح ومتقدم، لأنه سيكون من الصعب الضغط على الكرة بلاعب أقل، حافظنا على تماسكنا وعمقنا الدفاعي قليلاً، وانتظرنا فرصة للهجمات المرتدة، لقد كان اختبارًا جيدًا لنضج الفريق وشخصيته.”
تصريحات تشيزني الصحفية بعد المباراة.
كما ظهرت مرونة برشلونة التكتيكية بشكل واضح في الدقيقة 74، خلال إحدى هجمات بنفيكا السريعة، هنا، اختار إنيجو مارتينيز الركض نحو مرماه بدلًا من التقدم للأمام واللعب على مصيدة التسلل، (وهي حركته المعتادة التي اشتهر وتميز بها هذا الموسم). هذا القرار الذكي من مارتينيز أوقف تقدم لاعبي بنفيكا، وألغي دور البديل أندريا بيلوتي كخيار للتمرير، مع خروج بنفيكا في النهاية إلى الأطراف، ثم أعطى برشلونة الوقت لإعادة تنظيم دفاعه، مما يعكس مدى التزام الفريق بالخطط التكتيكية التي وضعها فليك، هذه الإدارة الحكيمة للمباراة من قبل فليك، جنبًا إلى جنب مع تنفيذ اللاعبين الدقيق للتعليمات، كانت المفتاح لتحويل المباراة لصالح برشلونة، حتى مع اللعب بعشرة لاعبين.
وبعد خمس دقائق من تلك اللقطة، عندما دفع بنفيكا بمزيد من اللاعبين إلى الأمام في الدقائق الأخيرة، رد برشلونة بإضافة قوة دفاعية جديدة، حيث استبدل فليك ليفاندوفسكي ودي يونغ بالمدافع جيرارد مارتن ولاعب الوسط مارك كاسادو، وبذلك، أصبح رافينيا أكثر مهاجمي برشلونة تقدمًا دون استحواذ، في تشكيلة 5-3-1.
ملحوظة أخرى هامة في تلك المباراة: أن برشلونة بدأ في الاعتماد على التمريرات الطويلة من حارس المرمى، حيث لعب فويتشيك شتشيسني، حارس مرمى برشلونة، دورًا محوريًا في إدارة المباراة من خلال تنفيذه 27 تمريرة طويلة، وهو أعلى عدد يسجله حارس الفريق في آخر موسمين في الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، هذه التمريرات الطويلة لم تكن مجرد إرسال عشوائي للكرة، بل كانت جزءًا من خطة تكتيكية ذكية، حيث منح شتشيسني فريقه الوقت الكافي لإعادة تنظيم صفوفه والاستعداد للدفاع عن الهجمات المرتدة.
في الوقت نفسه، كان مهاجمو برشلونة، وعلى رأسهم روبرت ليفاندوفسكي، مستعدون تمام الاستعداد للانقضاض على الكرات الأولى والثانية وخطفها من مدافعي بنفيكا، مما أدى إلى إرباك خط الدفاع الخصم وخلق فرص للهجمات السريعة، هذا الأسلوب لم يعزز فقط استقرار الفريق الدفاعي، بل أعطى برشلونة فرصة للتحول من الدفاع إلى الهجوم بسلاسة، مما يعكس ذكاء فليك في استخدام نقاط قوة فريقه لتحقيق التوازن في المباراة، حيث استخدم تشيزني تمريرات أكثر سلاسة نحو المهاجم ليفاندوفسكي، الذي كُلّف بمهمة استخلاص الكرة بالرأس وتمريرها إلى بيدري، الذي كان مستعدًا لحمل الكرة للأمام، خاصة مع تقدم يامال ورافينيا أمام ليفاندوفسكي، مما منح بيدري خيارات عديدة للتمرير إما من فوق الدفاع أو من خلال أنصاف الفراغات.
معضلة كوندي
في المباراة الأولى، استخدم فليك نفس التكتيكات تقريبًا مع مرونة ونجاعة أكبر للعبه بكامل العدد، وهو ما أدى إلى فوزه بخماسية لأربعة، كان له فيها حق الرد عدة مرات مما أبرز شخصية الفريق وقدرته على العودة مرةً أخرى من الرماد إلى حياة أفضل وأجمل وأكثر إثارة، ولكن دعك من كل هذا؛ ففي تلك المباراة تحديدًا، ظهرت شخصية أخرى أثارت الجدل: جول كوندي، وانطلاقاته الجيدة فعلًا، وأيضًا المساحات التي يتركها خلفه مع كل انطلاقة، إذ يبرز الرجل بسرعة كواحد من أكثر لاعبي الظهير الأيمن موهبة في عالم كرة القدم اليوم.
لكن رغم مهاراته الهجومية المبهرة، فإن اندفاعه المتكرر للأمام أصبح يُشكل تحديًا لدفاع برشلونة، خاصة في المواقف التي يفقد فيها الفريق الكتالوني الاستحواذ على الكرة، أي أنه مفيد جدًا في أثناء الهجوم وبناء اللعب، ومضر للغاية في الدفاع والتحولات لدرجة أنه كان السبب الرئيسي في معظم الأهداف التي دخلت مرمى برشلونة في تلك المباراة، خاصة وأن هذا الواقع يتزامن مع وجود تهديد هجومي قوي من الجهة الأخرى أيضًا، حيث يقدم الظهير الأيسر أليخاندرو بالدي أداءً هجوميًا لافتًا أيضًا هذا التوازن بين اندفاع كوندي من اليمين وتهديد بالدي من اليسار يترك غالبًا قلبي الدفاع وحدهم في مواجهة هجمات الخصوم، مما يعرض دفاع برشلونة لضغوط كبيرة، وفي محاولة لتعويض هذا الخلل الدفاعي، عادة ما يتم اللجوء إلى لاعب خط وسط دفاعي يتراجع بين المدافعين المركزيين لتقديم الدعم وتعزيز التوازن.
ومع ذلك، يبدو أن تشكيلة فليك تفتقر إلى ذلك اللاعب القادر على الاستيلاء على الكرة بذكاء وتفكيك هجمات الخصوم بشكل فعال، فمنذ صافرة البداية، أصبح واضحًا أن نقاط الضعف الدفاعية لبرشلونة ستكون مرتبطة بتلك المساحات الواسعة التي تظهر على الأطراف، خاصة عندما يتحرك خط الدفاع للأمام لمواجهة الهجمات، هذه الفجوات الدفاعية تُعرض الفريق لخطر الهجمات المرتدة السريعة، مما يتطلب حلولًا تكتيكية سريعة من فليك لسد هذه الثغرات، ففي عالم كرة القدم الحديثة، حيث الهجمات السريعة والتحولات الدفاعية السلسة هي المفتاح الوحيد، ولذلك يحتاج برشلونة إلى إيجاد توازن بين الهجوم والدفاع، سواء كان ذلك من خلال تعديل أدوار اللاعبين الحاليين أو تعزيز الفريق بلاعبين جدد، فإن معالجة هذه الثغرات ستكون ضرورية لضمان استقرار الفريق في المواجهات الصعبة.
هذا الوضع يتطلب من المدرب هانسي فليك إيجاد حلول تكتيكية لتحقيق التوازن بين الهجوم والدفاع، سواء من خلال تعديل أدوار اللاعبين أو تعزيز الدعم من خط الوسط، ففي عالم كرة القدم الحديثة، لا يكفي أن يكون الظهير ماهرًا في الهجوم فقط، بل يجب أن يكون قادرًا على العودة بسرعة والمساهمة في بناء جدار دفاعي متين.
انضباط
المهم، أن كل تلك الإيجابيات لم تكن لتحدث لولا وجود فليك، وفهمه لآليات العمل الحقيقية، ثم العمل على إستعادة التوازن لفريق مهلهل للغاية، وفاقد لثقته في نفسه، وإليك مثالًا: في اليوم السابق لمباراتهم أمام ألافيس في السادس من أكتوبر الماضي، سافر لاعبو برشلونة إلى مدينة فيتوريا كفريق واحد، في خطوة تُعتبر عودة إلى التقاليد القديمة التي كانت تُلزم الفريق بالإقامة معًا في فندق والسفر جماعيًا لحضور المباريات، بهدف تعزيز الروح الجماعية والتركيز، لكن قبل المباراة مباشرة، حدث ما لم يكن في الحسبان.
خلال الاجتماع الصباحي المعتاد الذي عقده فليك وطاقمه الفني في الفندق، وصل جول كوندي، أحد أبرز نجوم الفريق هذا الموسم، متأخرًا بخمس دقائق، هذا التأخير، وإن بدا بسيطًا، إلا أنه يُعتبر خرقًا للانضباط الذي يسعى فليك لتعزيزه داخل الفريق، مما طرح العديد من التساؤلات حول مدى التزام اللاعبين بالتعليمات الجديدة، خاصة في ظل الجهود التي يبذلها الرجل لبناء فريق منظم ومتماسك، ففي عالم كرة القدم، التفاصيل الصغيرة تُحدث فرقًا كبيرًا، ولذلك يُصبح الانضباط والالتزام بالوقت عنصرين أساسيين لتحقيق النجاح، فهل كانت هذه الحادثة حجر عثرة صغيرة في طريق بناء فريق أكثر انضباطًا وتنظيمًا؟
في الحقيقة، لا؛ حيث كان من المقرر أن يبدأ كوندي المباراة أساسيًا، لكن تأخره عن الاجتماع الصباحي لم يمر دون عقاب، حيث أعلن فليك للفريق بعد الاجتماع مباشرة، أن الشاب هيكتور فورت، من أكاديمية لا ماسيا، سيحل محل كوندي في التشكيلة الأساسية، حسنًا، الغريب هنا هو مدى تقبل المدافع الفرنسي للقرار، واعترافه بخطئه، ووفقًا لمصادر داخل غرفة الملابس أدلوا بتصريحات لـ”ذي أثليتيك”، أن اللاعبون صُدموا من صرامة فليك في تطبيق مبادئ الانضباط، لكنهم اتفقوا، رغم ذلك، على أن هذه الخطوة كانت ضرورية لإرسال رسالة واضحة: “إذا تجاوزتَ الحدود هنا، فلن تلعب”، ومع ذلك، لاحظ الجميع أن فليك، رغم صرامته، يبقى شخصًا صادقًا، مما جعل اللاعبين يحترمون قراره.
ومن أبرز الأمثلة الأخرى على حنكة فليك في اتخاذ القرارات الجريئة هو إصراره على الاحتفاظ بإنيجو مارتينيز، المدافع البالغ من العمر 31 عامًا، والذي كان في البداية خارج حسابات الفريق، خاصة مع وجود بدائل أخرى في خط الدفاع، بل إن العديد من كبار اللاعبين اعتقدوا أن مركزه مُغطى جيدًا، مما يسمح للنادي بالتخلي عنه، لكن فليك رأى في مارتينيز قيمة كبيرة، سواء من حيث خبرته أو قيادته داخل الفريق، هذا القرار الجريء أثبت صحته مع تقدم الموسم، حيث أصبح مارتينيز لاعبًا أساسيًا في تشكيلة برشلونة، وساهم في تعزيز خط الدفاع بشراكة قوية مع الشباب الواعدين. ولكن هل اتخذ هذا القرار لأنه يفتح المندل ويعلم الغيب؟ بالطبع لا؛ بل لأن لديه فريقًا فنيًا واسعًا يعكس قدرته على بناء نظام عمل متكامل.
فعندما وصل هانسي فليك إلى برشلونة، أحضر معه ثلاثة من مساعديه المخلصين: ماركوس سورغ، وتوني تابالوفيتش، وهايكو ويسترمان، ومع تقدم الموسم، سمح النادي لفليك بتعزيز جهازه الفني بضم عضوين آخرين، هما ستيفان نوب ومايكل هاسيمان، اللذين سبق لهما العمل مع فليك خلال فترة تدريبه للمنتخب الألماني. وكل اسم منهم، لديه تاريخ طويل من العمل في أصعب الظروف، وتحقيق نجاحات باهرة.

هل سينجح؟
لقد أعاد هانسي فليك إحياء برشلونة بشكل لافت، حيث أدخل نظام ضغط عالي جديدًا أثبت تفوقه على المنافسين حتى الآن، حيث الفريق الكتالوني أصبح الأكثر نجاحًا في الدوري الإسباني في التدخلات في الثلث الأخير من الملعب، كما يحقق متوسطًا قياسيًا في نجاح مصيدة التسلل (6.5 حالة تسلل في المباراة الواحدة)، هذه الأرقام تفوق حتى أفضل مواسم برشلونة تحت قيادة بيب جوارديولا في 2010، عندما كان المتوسط 3.74 حالة تسلل في المباراة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكتمل العمل بهذا النظام؟
خاصة مع وجود تحديات داخلية أخرى، أبرزها الإصابات التي أبعَدَت لاعبين أساسيين مثل رونالد أراوخو، وأندرياس كريستنسن، وفيران توريس لعدة أسابيع، بالإضافة إلى ذلك، لا يزال بعض اللاعبين مثل فرينكي دي يونج، وجافي، وفيرمين في مرحلة التكيف مع نظام فليك، وهناك أيضًا مشكلة عدم التوازن في بعض مراكز الفريق، على سبيل المثال، لا يوجد بديل واضح لمركز خط الوسط المدافع سوى مارك كاسادو ودي يونج، اللذين لم يتركا تأثيرًا كبيرًا بعد، كما أن جيرارد مارتن، البديل لأليخاندرو بالدي، قد لا يكون بنفس المستوى المطلوب، مما يدفع فليك للاعتماد على سيرجي دومينغيز، لاعب لا ماسيا، كقلب دفاع في حالات الطوارئ، ولا أيضًا يمكن تجاهل الوضع المالي الصعب للنادي، الذي يحد من قدرة برشلونة على تعزيز تشكيلته بشكل مثالي، مما يزيد من الضغط على فليك لإدارة الموارد المتاحة بحكمة.
رغم كل هذه التحديات، نجح فليك حتى الآن في تحقيق إنجازات ظنها الكثيرون مستحيلة قبل فترة وجيزة، هذا النجاح يعيد الأمل لجماهير برشلونة، التي بدأت تؤمن بقدرة الفريق على مواجهة أكبر الفرق الأوروبية وتشكيل تهديد حقيقي، لكن الطريق لا يزال طويلًا، وكرة القدم لا تعرف المستحيل، سيكون تعامل فليك مع اللحظات الصعبة والضغوط القادمة هو المفتاح لتحديد ما إذا كان هذا الموسم سيكون بداية عهد جديد من المجد للفريق الكتالوني، أم أن الأقدار وأضغاث الأحلام، وتركة بارتوميو سيئة السمعة، والتي ختمها بأقذع فضيحة في تاريخ النادي، ليلة الثامن من أغسطس 2020، سيكون لها رأي آخر.
الصالح سبورت :
فليك حول برشلونة إلى فريق لا يرحم.. أسباب تجعله بطلًا لأوروبا
الصالح سبورت :
فليك حول برشلونة إلى فريق لا يرحم.. أسباب تجعله بطلًا لأوروبا #فليك #حول #برشلونة #إلى #فريق #لا #يرحم #أسباب #تجعله #بطلا #لأوروبا
