الرياض – أثار مسلسل “معاوية” منذ نشر إعلانه التشويقي جدلًا واسعًا وصل مع بداية عرضه في أولى أيام شهر رمضان إلى حد منع بثه من قبل هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، بسبب مخاوفها من إثارة العمل لسجالات الطائفية.

ورغم انطلاقته القوية التي وصفها البعض بأنها فخمة ومبشّرة، فإن الهيئة فاجأت متابعي “إم.بي.سي” العراق بقرارها منع القناة من بث المسلسل، مستندة في ذلك إلى الصلاحيات القانونية الممنوحة لها بموجب الأمر التشريعي 65 لسنة 2004 النافذ، والتزاما بمسؤوليتها في تنظيم قطاع الإعلام وضمان انسجام المحتوى الإعلامي مع المعايير الوطنية والمهنية المعتمدة في العراق.

وأكدت الهيئة في بيان أن بث أعمال ذات طابع تاريخي جدلي قد يؤدي إلى إثارة السجالات الطائفية، مما يهدد السلم المجتمعي ويؤثر على النسيج الاجتماعي، خاصة خلال الشهر الفضيل، داعيةً جميع المؤسسات الإعلامية إلى الالتزام بالمعايير المهنية وتجنب بث المحتوى الذي قد يتسبب في إثارة الفتن أو التحريض الطائفي.

وأشارت إلى أنها أصدرت خطابا رسميا إلى إدارة قناة “إم.بي.سي” العراق بهذا الشأن، مطالبة إياها بالامتثال للقرار وعدم بث المسلسل، مؤكدة أنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أي جهة تخالف الضوابط الإعلامية النافذة في البلاد.

ويروي المسلسل الذي يجسد شخصية معاوية بن أبي سفيان الأحداث التي تلت مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وتولي علي بن أبي طالب الخلافة، مرورًا بالصراعات السياسية التي انتهت بقيام الدولة الأموية.

وجدد تناول شخصية معاوية الجدل المذهبي والطائفي، إذ تعتبر هذه الحقبة من أكثر الفترات إثارة للنقاش بين المؤرخين، والخلاف بين السنة والشيعة حول معاوية يجعل أي تناول له في الدراما مثيرًا لحساسيات مذهبية.

ولم يكن الطريق نحو عرض المسلسل سهلًا، فقد كان من المفترض مشاركته في الموسم الرمضاني للعام 2023، إلا أنه واجه عدة أزمات وهو قيد التحضير بينها قرار هيئة الإعلام العراقية بمنع عرضه داخل العراق بوصفه يحمل موضوعا تاريخيا جدليا قد يؤدي إلى إشعال سجال مذهبي في أوساط العراقيين السنة والشيعة خلال شهر رمضان، و”لأنه يتضمن مواد تؤذي مشاعر مكونات النسيج الاجتماعي العراقي بفئاته الدينية والقومية”.

واستجابت القناة لهذا التوجيه حينها، قائلة إن المسلسل لن يكون على قوائم برامجها الرمضانية، في ما أكدت أن عرض المسلسل سيتم في باقي القنوات التابعة لمجموعة “إم.بي.سي”، بما في ذلك منصة شاهد، لكن ذلك أثار استهجان إدارة شبكة “إم.بي.سي” التي خرجت ببيان تنفي فيه امتناع “إم بي سي العراق” عن عرض المسلسل.

وصاحبت شائعات توقف المسلسل ومنع عرضه نهائيا عمليات تصويره التي بدأت في يوليو/تموز 2022، لاحتوائه عما اعتُبر موضوعا حساسا من شأنه أن يثير نعرات طائفية عربية، ومع ذلك فقد رُصدت له ميزانية ضخمة تُقدَّر بنحو مئة مليون دولار، ليكون بذلك الأضخم إنتاجية في تاريخ الدراما العربية، وهو من سيناريو محمد اليساري، خالد صلاح وبشار عباس، ورؤية فنية لأحمد مدحت، وإخراج طارق العريان، وإنتاج إم بي سي استوديوز السعودية.

ويشارك في العمل عدد كبير من الممثلين السعوديين والسوريين والتونسيين والمصريين والأردنيين، واختير في البداية الفنان الفلسطيني علي سليمان ليجسد شخصية معاوية، إلا أنه انسحب من المسلسل، ليتم استبداله بالممثل السوري لجين إسماعيل.

ويضم المسلسل الذي صور في تونس إلى جانب لجين إسماعيل نخبة من الممثلين العرب، منهم إياد نصار (يؤدي دور الإمام علي بن أبي طالب)، سهير بن عمارة (تلعب دور هند بنت عتبة والدة معاوية)، عائشة بن أحمد، جميلة الشيحي، وائل شرف (يجسد دور عمرو بن العاص)، يزن خليل (عتبة بن أبي سفيان)، أسماء جلال، سوسن بدر، صبا مبارك، أيمن زيدان، سامر المصري (عمر بن الخطاب)، ميسون أبوأسعد، وسارة بركة.

وعرف المسلسل انطلاقة قوية منذ عرض حلقته الأولى على قناة “إم.بي.سي” ومنصة شاهد، فقد بدأت الأحداث بمشهد هند بنت عتبة وهي تضع معاوية بن أبي سفيان وسط احتفالات الجميع بقدومه، وكان لافتًا حديثها معه عن مستقبله، حيث وصفته بأنه “إنجازها الوحيد”، ثم انتقلت المشاهد إلى التدريبات التي خاضها معاوية في طفولته لتستمر الأحداث حيث تظهر هند بنت عتبة متأثرة بفقدان عدد من أسرتها في غزوة بدر، متوعدة بالثأر لهم.

وبدا معاوية غير مقتنع بأن غزوة أحد كانت انتصارًا، معتبرًا أنها نتيجة خطأ فردي، وليس لحيلة، تتطور الأحداث مع تأثر معاوية العميق بالإسلام والرسالة النبوية، حتى تنتهي الحلقة بلحظة فارقة، حيث يُعلن إسلامه مع بداية فتح مكة، في مشهد يغيّر مسار حياته بالكامل.

وأحدث عرض الحلقة الأولى من المسلسل جدلا جديدا، حيث اختلفت الآراء بين المتحمس لمتابعة القصة وبين من اعتبرها مادة جديدة لإثارة الفتنة بين الطوائف، فقد اعتبر أحد المعلقين على موقع إكس أن “بداية مسلسل معاوية تبشر بالخير”، وأضاف متسائلا “يا ترى، هل شيخ الأزهر ومقتدى الصدر يُتابعان الحلقة الأولى، أم أن تحريمهما للمسلسل على أنصارهما كان غرضه لضمان بقائهما في دائرة الروايات الكاذبة التي طالما رُوِّجت؟”.

وكان رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر من بين أبرز المعترضين على عرض المسلسل، فقد أصدر بيانًا في فبراير/شباط 2023 وصف فيه معاوية بأنه “رأس الفتنة الطائفية”، محذرًا من أن عرض العمل قد يؤدي إلى زيادة التوترات الطائفية.

وكتب الصدر في تغريدة على إكس أن عرض المسلسل “مخالف للسياسات الجديدة المعتدلة التي انتهجتها المملكة العربية السعودية الشقيقة”، معتبرا أن عرض المسلسل يمثل إساءة لمشاعر مجموعة من المسلمين، قائلا “لا داعي لجرح مشاعر إخوتكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. وإني لكم من الناصحين”.

كما أن الأزهر حرّم مشاهدة مسلسل “معاوية” خلال رمضان، معلنا رفضه القاطع لتجسيد شخصيات الصحابة، معتبرًا ذلك “حرامًا شرعًا”، داعيا علماء الدين إلى مقاطعة العمل وعدم مشاهدته.

ودعا الشيخ الكويتي عثمان الخميس في مقطع فيديو إلى الحذر مما قد يقدمه مسلسل معاوية من معلومات مغلوطة، بوصفه يقدم شخصية لأفضل ملوك الإسلام على الإطلاق والتي لن يأتي أحد مثلها إلى قيام الساعة.

ويفتح قرار هيئة الإعلام والاتصالات العراقية الباب لمزيد من الجدل حول المسلسل الذي يرى فيه بعض المتابعين مثلا حيا عن تطور القطاع في ما يخص إنتاج عمل تاريخي ضخم، قائلا “هالسنة جاي معاوية بن أبي سفيان وشكله تاريخي بمعنى الكلمة، البرومو خرافي.. عاجبني صرنا نقدر نصنع مسلسلات أسطورية عن تاريخنا الإسلامي بذي الجودة الهوليوودية وعندنا قصص فالتاريخ أكبر وأعظم من الأجانب”.